المشاهد نت

الكتابة على الحافلات.. السخرية من الواقع بالكلمات

تعز – فخر العزب:

في سياق العبارات المكتوبة على حافلات نقل الركاب في اليمن، تستوقفك عبارة “اليمن كوكب المغامرات. سنموت بعد قليل”، والتي تأتي للتعبير عن رفض الحرب التي تشهدها اليمن للعام الرابع على التوالي، والتي حولت الموت إلى أمر اعتيادي يرافق اليمني ويلازمه في ظل المغامرات الطائشة للسياسيين وأصحاب القرار في البلد، وهو الأمر الذي جعل اليمني يؤمن باقتراب الموت منه، والذي أمسى موعده ”بعد قليل”.
هذه العبارة وغيرها تأتي في سياق العبارات التي يكتبها اليمنيون على الحافلات، للتعبير عن آرائهم ومواقفهم من جميع القضايا اليومية التي يواجهونها، بدءاً من الحرب والآثار السلبية المترتبة عليها، والتي تؤثر على المواطن اليمني في جميع جوانب الحياة، وليس انتهاءً بالقضايا الاجتماعية العامة كقضايا الزواج وغيره.

عبارات طريفة

في سبيل السخرية من الواقع، لجأ بعض اليمنيين إلى كتابة عبارات طريفة على الحافلات تشبه التوقيع في حالة التكثيف اللغوي الذي يمتاز به، والذي يحمل عدة دلالات سياسية ونفسية، حيث كتبوا عبارة ”إذا رأيت كل شي جميلاً، فاعلم أنك سكران”، للإشارة إلى أن واقع اليمن لا يبتسم إلا للقلة القليلة من تجار الحروب والمستفيدين منها.
ومن العبارات السياسية أيضاً ”زوجوني وإلا بقطع شارع جمال”، و”التي تنتقد السلوك الخاطئ للمحتجين في مدينة تعز، الذين يقومون بقطع شارع جمال عبدالناصر، وهو الشارع الرئيس في المدينة، باستخدام السلاح، للتعبير عن مطالبهم التي بالغالب تكون مطالب حقوقية، فيتركون وسائل الاحتجاج السلمي إلى وسيلة سلبية، تتمثل بالاستقواء بالسلاح وتعطيل حركة الناس في الشارع.
ومن العبارات السياسية المشهورة أيضاً، عبارة ”كلهم معرصين يا وطني”، للتعبير عن الحنق من قيادات جميع أطراف الصراع في الأزمة اليمنية، والذين أوصلوا البلاد لما وصلت إليه، بالإضافة إلى عبارة “إنا لليمن وإنا إليه راجعون”، وعبارات سياسية أخرى.

ريال فوق ريال، أجيب أم العيال”

ويحتل الجانب الاجتماعي أولوية في اهتمامات اليمنيين الذين يعبرون عن القضايا الاجتماعية، وفي مقدمتها غلاء المهور، بطريقة ساخرة، عبر كتابة عدد من العبارات على الحافلات، أبرزها ”ريال فوق ريال، أجيب أم العيال”، بالإضافة لقضية تزايد الديون، التي تكون وراءها الزوجة في الغالب، نتيجة كثرة الاحتياجات، والتي تعبر عنها عبارة ”وراء كل رجل مديون امرأة”.
كما أن حالة الحرمان العاطفي تحضر بقوة في عبارات الحافلات بطريقة مسلية وظريفة، مثل ”اصدمني بكلمة أحبك والسمكرة على حسابي”.
وتتنوع العبارات بين عبارات ذات طابع سياسي أو اجتماعي أو عاطفي أو ترفيهي، إلى عبارات تحمل معاني الأمثال والحكم، والتي تأتي كنتاج لتجارب حياة أصحابها، والتي في الغالب تحذر من غدر الزمان أو غدر الأصدقاء أو ما شابه.

إقرأ أيضاً  زيارة المعالم الدينية بحثًا عن الروحانية في رمضان

نقد الواقع بالنكتة

ويقول الباحث الاجتماعي مالك ناجي، لـ”المشاهد” إن “اهتمام اليمنيين بالشأن العام، بالإضافة إلى تأثرهم بنتائج الواقع السياسي الذي تعيشه بلادهم، وتضررهم من الحرب ونتائجها، جعلهم يعبرون عن حالة الرفض والسخط عن طريق النكتة التي تأتي بشكل مؤلم أحياناً، ويلجؤون إلى ذلك للتعبير عن موقفهم من مجمل القضايا، ومن ذلك الكتابة على الحافلات ووسائل النقل العامة”.
ويضيف مالك: “هذه العبارات الطريفة، والتي يمكن وصفها بالسهل الممتنع، تلعب دوراً مهماً في بناء وتوعية الرأي العام، وتوجيهه من خلال نقد السلبيات، وتنبيه الناس إلى مكامن الفساد والأخطاء في السياسات والسلوكيات، وهي بذلك تهدف إلى تغيير اتجاه وسلوك ومواقف المجتمع، كما أنها بسهولتها وبساطتها وقلة تكلفتها أكثر نفعاً في نقد السلوكيات والممارسات الفاسدة داخل المجتمع”.
وبالمجمل، يلجأ الإنسان اليمني للكتابة على الحافلات ووسائل النقل العامة كوسيلة نفسية للتخلص من حالة الكبت والقهر التي يعاني منها، وللتنفيس والتعبير عن حالة رفض الواقع المر الذي يعيشه، وهذا الواقع قد يكون واقعاً سياسياً، أو اجتماعياً، كما أنه بذلك يتحرر من المساءلة القانونية نتيجة استخدامه للترميز والتعميم في مضمون رسالته التي يريد إيصالها.

 

مقالات مشابهة