المشاهد نت

الطفلة رشا… العيش تحت رحمة التنفس الصناعي

الطفلة رشا تعاني من فشل رئوي تعيش في مدينة تعز

تعز – سامي عبدالعلم :

عاد الأمل إلى حياة عائلة محمود شمسان، وهو من أهالي بلدة الجبزية بمديرية المعافر في محافظة تعز الواقعة جنوب غرب اليمن، بعد عامين قضتهما العائلة في كفاح شاق ومعاناة لا مثيل لها، لإنقاذ ابنتهم رشا من مرض مميت انعدمت معه كل فرص النجاة.
وقضت رشا، وهي في الـ12 من العمر، عامين من عمرها شبه ميتة، تتنفس عبر أنبوب بلاستيكي يضخ الأكسجين إلى دمها مباشرة، بعد توقف رئتيها عن العمل جراء إصابتهما بتهتك شديد وتلف.
وبدأت إصابتها بالفشل الرئوي بسبب انفجار وقع قرب منزلها، جوار مستشفى الثورة بمدينة تعز.
ويتذكر والد رشا ذلك اليوم جيداً، ولا يستطيع نسيانه، قائلاً: “بدأت إصابتها في في عام 2016م، وتطورت إلى فشل رئوي حاد ومميت عجزت كل المستشفيات والمراكز الطبية في البلاد عن علاجها”.
ويتابع: “عرضناها على أمهر الاستشاريين والأطباء المتخصصين في تعز وإب وصنعاء، دون نتيجة، لم نترك مركزاً أو مشفى أو عيادة مختصة إلا وزرناها. كنت أحمل عدداً من أسطوانات الأكسجين، وأنقلها وهي تحت التنفس الصناعي في السهول والجبال، استأجرت سيارات نقل خاصة في كل مرة، دون أي أمل بنجاتها”.
تحتفظ أسرة رشا بعدد من أسطوانات الأكسجين، وتسهر العائلة ليلاً ونهاراً للحرص على عدم حدوث أي طارئ.
لا ينام والدا رشا طوال الليل، وعندما يهم أحدهما بدخول دورة المياه، يفكر بقلق ماذا لو تحرك أنبوب الأكسجين قليلاً، وانفصل عن أنفها؟
وتبلغ حالة الفشل الرئوي الذي أصيبت به رشا، حداً يجعل حالتها عرضة للوفاة خلال 20 ثانية، كما هي حالات المصابين بفشل رئوي.
ويقول شمسان: “حتى عندما أقوم بتبديل أسطوانة الأكسجين، أكون قد جهزت الأسطوانة الجديدة مسبقاً، فمجرد تأخير ثوانٍ معدودة في ضخ الأكسجين إلى دم رشا، يتحول جسدها بالكامل إلى اللون الأزرق، وتصبح عرضة للوفاة.

الحرب تفاقم معاناة مرضى الحالات المستعصية

فاقمت الحرب من معاناة رشا وأسرتها، فالأدوية المتوفرة، خصوصاً الأدوية التي تعالج أمراضاً مستعصية، كالربو، صارت غير متوفرة كفاية، كما أن أسعارها باهظة، وزادت مع ظروف الحرب.
بعض الأدوية كالمغذية تكلف العبوة الواحدة منها 45 ألف ريال يمني، ما يعادل 70 دولاراً أمريكياً.
ويقول شمسان: “عانيت كثيراً في الحصول على بعض الأدوية، وكنت أبحث من صيدلية لأخرى حتى أجد العلاج المطلوب بعد مشقة”.
في البلدة التي يعيشون فيها سببت الحرب قلقاً لوالد الفتاة أقض مضجعه، يقول: “كنت أفكر من أين آتي بأسطوانات الأكسجين، والمنطقة التي نحن فيها تشهد مواجهات وحالة حرب”.
من حسن الحظ أن الحرب انتهت في المنطقة بسرعة، لكن معاناة الأسرة بدت لا نهاية لها.
وأظهرت الفحوصات الطبية المتكررة لحالة رشا تمزقاً وتهتكاً شديداً في أنسجة الرئة.

اعداد المحتوي – محمد أمين الشرعبي

عشرات الفحوصات والانتقالات المكلفة والمجهدة

ووصف الأطباء لها 8 أصناف من الأدوية باهظة الثمن. وقال والد الطفلة إن جميع الأطباء الاختصاصيين في البلاد يعرفون حالتها، كما صارت رشا موضوعاً تداولت بشأنها 3 منظمات دولية في صنعاء، من بينها مكتب منظمة الصحة العالمية، حيث قدم الأب ملفها للمنظمات بهدف تسفيرها للعلاج في الخارج وزراعة رئتين كما نصحه الأطباء في صنعاء.
وصنفت حالتها كواحدة من أسوأ الحالات المرضية في اليمن.
وعصر الاثنين الماضي، الـ20 من يناير 2020، تنفست رشا لأول مرة بصورة طبيعية، كما بدأت تدريجياً في تناول الطعام، بعد حرمانها لمدة عامين، بسبب المرض.
كل شيء من مأكل أو مشرب أو هواء كان يمر إلى جسدها بواسطة أنابيب أو مغذيات وتنفس صناعي.
وككل المصابين بفشل رئوي، كانت رشا تنام في وضعية الجلوس، تميل رأسها قليلاً على مسند من الإسفنج. سلبها المرض النوم على ظهرها أو جنبيها.
وأبلغ الأطباء والدها أن حالة رشا ميئوس من علاجها في اليمن، وأنه ليس هناك سوى مركزين في العالم لعلاج هذا النوع من الحالات المستعصية، أحدهما في الولايات المتحدة ومركز أبوللو في الهند.
ويقول شمسان لـ”المشاهد”: “كثيراً ما أبلغني الأطباء بأنه لا أمل في شفائها، وأن حالتها صعبة، وتحتاج زراعة رئتين، وهي عملية باهظة ومكلفة في الهند”.
نصحه رئيس قسم الجراحة في  مستشفى الثورة بصنعاء، بأن يطرق أبواب المنظمات الدولية، وأن يعتصم أمام مقر اللجنة الطبية العليا بصنعاء.
وحمل محمود شمسان ابنته، واعتصم أمام المنظمات في صنعاء، لتصبح قضيته مسموعة، وتنظر فيها المنظمات.
ووعدت منظمات بالتكفل بتأمين تكاليف العملية، وكان هذا ما عزمت عليه العائلة الفقيرة، لكن المعنيين في مكتب الصحة العالمية بصنعاء، قالوا له أن ينتظر اتصالاً منهم، ويصبر، كما أبلغوه أن السفر لحالة كحالة رشا يتطلب طائرة خاصة.

إقرأ أيضاً  تعز : الابتهاج بالعيد رغم الحرب والحصار

اللجوء إلى الطب البديل

وقد سمع شمسان عن الطب البديل، وعن مركز متخصص في منطقتهم ذاتها، نجح في علاج حالة مماثلة.
مع مطلع عام 2020، عادت الأسرة إلى قريتهم، وعرضت حالة رشا على مركز البرهان للطب البديل في المنطقة.
وقرر المركز بداية إيقاف كل العلاجات التي كانت مقررة لرشا، واستبدالها بعقاقير مصنوعة من الأعشاب.
وخلال أسبوعين بدأ العلاج البديل يؤتي نتيجة بعثت الفرح لدى الأسرة.
يقول شمسان: كانت تكلفة جرعات العلاج المقررة يومياً، باهظة. لقد بعنا معظم ما نملك. وعندما بدأنا مع مركز البرهان للطب البديل، كنت قلقاً من توقيف الأدوية المقررة لرشا، وقد فرحت للنتيجة التي رأيتها بعد أسبوعين هنا. لقد أزاح ذلك عبئاً عن كاهلنا.
ويضيف: “لم أتوقع أبداً أن تتحسن حالتها بعد كل ما مررنا به، وما علمناه وخبرناه عن صعوبة هذا النوع من حالات الفشل الرئوي”.
هذا التحسن في حالتها، بعث الفرح والأمل في أوساط أسرتها، التي كنت قد فقدت الأمل كلياً.
وتحدثت رشا إلى محرر “المشاهد” الذي زارها إلى مركز البرهان في منطقة النشمة، حيث تتلقى العلاج، وقالت إن حالتها تتحسن، وبوسعها يومياً نزع أنبوب التنفس الصناعي، والتنفس بصورة طبيعية، كما صارت تتحرك وتتناول بعض الطعام بصورة طبيعية، وليس بواسطة أنبوب كما في العامين الماضيين.
كان أهم تحول في وضعها من الانتكاسة إلى الأمل والتحسن الملحوظ، الاثنين الماضي، يوم  تنفست رشا الهواء بشكل طبيعي لأول مرة منذ عامين، ومعها انتعشت آمال أسرتها.
ويقول والد رشا إنها كانت تستهلك أسطوانة أكسجين يومياً، أما الآن فإن الأسطوانة الواحدة تكفي أحياناً لـ3 أيام، تتخللها ساعات من التنفس الطبيعي.

أول حالة إصابة بالفشل الرئوي تتعافى

كانت أول حالة عالجها المركز لامرأة مسنة في الثمانينيات من العمر، هي زين سعيد البركاني، وهي شقيقة رئيس مجلس النواب الموالي للشرعية في اليمن.
ويقول قريبها عبدالرحمن البركاني، إنهم قاموا بإسعافها إلى عدن تحت التنفس الصناعي، في  ديسمبر 2019، وكانوا يستعدون للسفر إلى الهند لزراعة رئتين.
ولصعوبة السفر ، يقول عبدالرحمن لـ”المشاهد”: “الأطباء في عدن نصحونا أن نعيدها للمنزل، ونبقيها متصلة بالتنفس الطبيعي، إلى أن يأتي أجلها”.
وبحكم أنها حالة ميئوس منها، لم تمانع الأسرة اختبار العلاج البديل، وتولى مركز البرهان في المنطقة علاج زين، وخلال أسبوعين نجحت عملية العلاج بالأعشاب، وتخلصت زين من أنبوب التنفس الصناعي نهائياً، وهي تعيش اليوم في منزلها مرحلة نقاهة، وتحسنت صحتها، وعادت لممارسة حياتها السابقة.

أكبر المتضررين جراء الحرب

يعد مرضى الحالات المستعصية في اليمن، هم الأكثر تضرراً جراء الحرب الجارية، في ظل ارتفاع تكاليف العلاج وشحته، وزيادة انتشار الأوبئة والأمراض، وفي ظل تردي الأوضاع الصحية واستمرار إغلاق نصف المنشآت الطبية في البلاد، وفق تقارير دولية.
كما يعد تردي الأوضاع المعيشية للمرضى، وصعوبات السفر والانتقال، عوامل أخرى تضاعف معاناة المرضى.

مقالات مشابهة