المشاهد نت

عامان على اتفاق ستوكهولم… أين يقف السلام في اليمن؟

صورة ارشيفية

عدن – وفاء غالب:

بعد اشتداد المعارك في الحديدة، واقتراب الحكومة من ميناء الحديدة الاستراتيجي، ثاني أكبر موانئ اليمن، تم توقيع اتفاق ستوكهولم، قبل عامين، بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي، نهاية العام 2018. لكن التعثر في تنفيذ الاتفاق مازال مستمراً، باستثناء صفقة وحيدة لتبادل الأسرى، هي التي وجدت طريقها إلى التنفيذ، منتصف أكتوبر الماضي.
وتدخلت الأمم المتحدة في إقناع الطرفين بتوقيع الاتفاق لمنع تدهور الوضع الإنساني، لكن جماعة الحوثي لم تنفذ أياً من بنوده، واستمرت باحتجاز سفن إغاثية مراراً، وفق اتهامات حكومية لها.
وتضمن الاتفاق بنوداً عدة من بينها، تسليم الحوثيين الموانئ الثلاثة (الحديدة ورأس عيسى والصليف)، وانسحابهم إلى شمال طريق صنعاء، وتشكيل لجنة للإِشراف على إعادة انتشار القوات اليمنية بإشراف أممي، على أن تتولى السلطات المحلية الإشراف على المدينة.
ويشكل ميناء الحديدة أهمية بالغة بالنسبة للحوثيين الذين يستفيدون من وصول السفن الإغاثية والتجارية، كما يعد نافذتهم البحرية الوحيدة التي تربطهم بالعالم الخارجي.
وسمح لهم بقاء المدينة تحت سيطرتهم، بالتحكم في مصير الخزان العائم صافر الذي يحتوي على أكثر من مليون برميل من النفط، والذي يهدد انفجاره بحدوث كارثة بيئية وإنسانية غير مسبوقة، فضلاً عن قدرتهم على تهديد خطوط الملاحة الدولية، كون الحديدة مطلة على البحر الأحمر، وقريبة من مضيق باب المندب الاستراتيجي.

تراخٍ أم عجز أممي؟

ومن وقت لآخر، يقوم الحوثيون بالتصعيد ضد الحكومة اليمنية في الحديدة، والذي تعتبره السلطة خرقاً واضحاً من قبلهم لاتفاق ستوكهولم. في المقابل، تتهم الجماعة القوات المشتركة والتحالف بخرق اتفاق وقف إطلاق النار مراراً، في المدينة.
وظل الوضع متأرجحاً هناك حتى يومنا هذا، وفي صعيد ذلك، يعتقد أستاذ إدارة الأزمات والصراعات بجامعة الحديدة، الدكتور نبيل الشرجبي، أن اتفاق ستوكهولم كان لحظياً وغير مدروس بعناية، وأُريد منه تسجيل انتصار للمبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، بعد أن كان قاب قوسين من إقالته.
وأفاد الشرجبي “المشاهد” أن من المعضلات التي لم تتمكن الأمم المتحدة من التغلب عليها في مناطق النزاعات والحروب، هي العمل والإقرار مع واقع من يسيطر على الأرض، وهذا يجعلها عاجزة تماماً، وغير راغبة في توجيه أي نقد أو لوم أو تحميل مسؤولية الفشل لمن يسيطر على أرض الوقع؛ حتى لا تفقد الاتصال والتواصل معه.
ومن أسباب فشل الاتفاق من وجهة نظره، أن به كثيراً من التناقضات، وغير واضح في معانيه وتفسيراته، ولا في آلية التنفيذ، كما أنه لم يوضع آلية لطريقة تنفيذه في حال تم تعطيل تنفيذه كما هو حاصل الآن.
ومن التعقيدات الحاصلة، أن الطرفين المتصارعين في الحديدة، لم يحسما على الأرض بشكل واضح، حتى يصبح طرف منهم قادراً على فرض تنفيذ الاتفاق، وبناء على كل ما سبق، يرى الشرجبي أن يكون هناك دور لبعض أطراف التحالف العربي في مثل تلك المماطلة، بغرض الانتهاء من ترتيبات أخرى في أماكن أخرى.
ومن المعروف أن وسائل الإعلام تناقلت مراراً الحديث عن وجود مخطط إماراتي، يهدف إلى فصل مدينة المخا الساحلية التابعة لمحافظة تعز (جنوبي غرب اليمن)، وضمها مع منطقة تهامة التابعة لمحافظة الحديدة، وجزر أخرى، لتصبح محافظة جديدة تخضع لسيطرة طارق صالح الذي يقود القوات المشتركة المدعومة من أبوظبي. يعزز ذلك أن نفوذ القوات الحكومية في تلك المناطق، أصبح ضعيفاً للغاية، وليست هي التي تتحكم بالمشهد هناك عقب استعادة تلك المناطق.

إقرأ أيضاً  الإصابة بالسرطان في ظل الحرب

اتفاق تحت الضغط الدولي

مع توقف المعارك عقب اقتراب القوات الحكومية بشكل كبير من ميناء الحديدة الاستراتيجي، يقول مصدر حكومي (فضل عدم الكشف عن اسمه) إن موقف السلطة اليمنية كان أساسه رفض بنود اتفاق ستوكهولم، لكنها وقعت عليه تحت ضغط المجتمع الدولي، وباعتبارها تمثل الدولة قدمت تنازلات لأجل المصلحة العامة، وبدوافع إنسانية، برغم أن الحوثيين لا يلتزمون بأي اتفاق.
وحول ما إذا كانت الحكومة ستتحرك لاستعادة الحديدة، أفاد المصدر لـ”المشاهد” أن ذلك صعب في الوقت الحالي، فهناك ضغط حوثي عليها في محافظة مأرب التي يحاولون التقدم فيها، وآخر من قِبل ما يعرف بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” الذي يخوض ضدها معارك في محافظة أبين الجنوبية، متابعاً: “أهملت الحكومة كثيراً من الأولويات في بداية مشروع مواجهة الحوثي، وهو ما قاد إلى كل ما حولها من تعقيدات في الوقت الراهن”.
إضافة إلى ذلك، لفت المصدر إلى أسباب أخرى تجعل معركة الحديدة متأخرة، وهو أن التكوينات العسكرية هناك أو القريبة من المحافظة، ليست جميعها منصاعة للحكومة (ويقصد القوات المشتركة بقيادة طارق صالح).

ورقة ضغط

وكشف المصدر الحكومي عن وجود طرح جاد من بعض الأطراف داخل السلطة، يتمثل بالضغط على الحوثيين من خلال تحرك عسكري من داخل الحديدة ذات الموقع الاستراتيجي، لتضعف جماعة الحوثي وتشتتها في الجبهات الأخرى التي تتحرك فيها حالياً، وأبرزها مأرب، متسائلاً حول ما إذا كانت الأطراف الإقليمية التي تتحكم بجزء من الحديدة، مقتنعة بذلك؟
وعن سبب ذلك، ومن الطرف الذي يقصده، ذكر أن الإمارات العربية المتحدة لديها أولوية تتمثل بمحاربة من تصفهم بالإخوان (حزب التجمع اليمني للإصلاح)، وقد لا توافق على تحريك جبهة الحديدة لتخفيف الضغط على مأرب.
ولفت المصدر إلى وجود أهداف وآراء مختلفة لمكونات داخل الحكومة، بشأن ذلك، على عكس جماعة الحوثي التي لها أسلوب واحد وقيادة واحدة ورأي واحد، كونها لا تؤمن باختلاف وجهات النظر.

وضع إنساني سيئ

وبرغم أن الاتفاق جاء لإيقاف المعارك بدافع إنساني، كما كان يقول المجتمع الدولي، إلا أن الوضع لن يصبح أفضل هناك، بل زادت معاناة المواطنين، بخاصة مع ارتفاع الأسعار. وتؤكد الصحفية منال قايد، التي تعيش في الحديدة، أن الاشتباكات مستمرة في المدينة من طرفيها الجنوبي والشرقي، ولم يغير اتفاق ستوكهولم شيئاً، حتى على مستوى توقف سقوط ضحايا الشظايا اليومية.
ووفقاً لقايد التي تحدثت لـ”المشاهد”، فإن الوضع الإنساني تدهور بشكل كبير، في ظل استمرار الاشتباكات، وانقطاع الطرق الرئيسية، وصعوبة تنقل المواطنين من الأرياف إلى المدينة، فضلاً عن أن الوضع صحياً وأمنياً وإنسانياً، في أدنى درجاته، ويبدو أنه سيستمر في الانحدار خلال الفترة القادمة، حسب توقعاتها.
ويضطر كثير من المواطنين في الحديدة، والذين استطلع “المشاهد” آراءهم، إلى النزوح إلى المحافظات القريبة منهم، كعدن وتعز، ويعمل العديد منهم على دراجاتهم النارية، لتوفير بعض احتياجاتهم الضرورية.
ويؤكدون أن الوضع غير المستقر هناك هو ما دفعهم للنزوح، فضلاً عن غياب وتردي كثير من الخدمات، وتحديداً الصحية، مع تفشي الأوبئة، ما يجعل العديد من سكان الحديدة يغادرونها من حين لآخر، بغرض العلاج.
ويؤدي عدم استقرار الوضع في الحديدة إلى اندلاع المعارك فيها من حين لآخر، وسقوط العديد من المدنيين بالقصف الذي تتعرض له الأحياء السكنية، إضافة إلى سقوط قتلى من الأبرياء بالألغام التي تمت زراعتها في المدينة.

مقالات مشابهة