المشاهد نت

الطفلة يسرى: “أبي جاء فوقه صاروخ ومات”

عدن – رضوان فارع:

“أبي مات، سقط عليه صاروخ في حيس، والآن ما فيش معي أب، أطلُب الناس من أجل أشقي (أعمل) على أخي الصغير وأختي وأمي”، تقول الطفلة يُسرى عبده حسن (7 أعوام).

 مضيفة أن والدها قُتل قبل عامين أثناء العمل، ولم يعد إلى البيت كما كان يفعل كل مرة عندما يعود حاملًا لهم ما يحتاجون.

ومنذ نزوحها مع والدتها وأختها وأخيها، من محافظة الحديدة، غرب اليمن إلى عدن جنوبا، وهي تمتهن التسول من المارة ومرتادي ساحل أبين، لإعالة الأسرة، كما تقول، مضيفة أن الناس لا يترددون في مساندتها والعطف عليها.

النزوح من الحديدة

ونزحت أسرة يسرى مع قرابة مليون يمني من محافظة الحديدة، عند ارتفاع حدة القتال في يونيو 2018، بحسب تقرير صدر في حينه عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن.

ووصلت المواجهات العسكرية بين قوات العمالقة والقوات التابعة لطارق محمد صالح، المدعومين من التحالف العربي، من جهة، وبين مسلحي جماعة الحوثي، من جهة أخرى، إلى عمق مدينة الحديدة.

وتُرابط القوات المدعومة من التحالف العربي بالقرب من مطار الحديدة وكيلو 16، ومنطقة المَنظر، وعلى امتداد الساحل الغربي من المخا في تعز إلى الدُّريهمي، جنوب الحديدة وعلى الجهة الأُخرى من المدينة، شمال الحديدة يتواجد المقاتلون الحوثيون.

وتتجدد المواجهات بين حين وآخر في منطقتي الدريهمي، وحيس، ومناطق تماس أخرى بين الطرفين، مخلفة قتلى وجرحى من المدنيين بالرغم من توقيع اتفاق ستوكهولم في 13 ديسمبر 2018، الذي يلزم طرفي القتال بوقف الحرب وانسحاب القوات من المدينة.

طفلة في مهمة العائل

دامت رحلة نزوح يسرى بمعية أسرتها لأيام، بحسب قولها، مضيفة أنها لا تتذكر  من تلك الرحلة إلَّا المبيت في العراء والجوع والرُّعب الذي كان يرافقهم على امتداد الطريق، وخيمة لا تقاوم الحر والرياح في مدينة عدن حاليًا.

تبحث يُسرى عن طعام لأُمها وأخيها وأختها، ولا تدري كيف تتصرف، فهي طفلة يشُدها اللعب أكثر من التسول، وسُرعان ما تتذكر أنها مسؤولة عن أُسرة، فتترك اللعب، وتعود إلى التسول لتحصل على المال لشراء حليب لأخيها وطعام لأُسرتها، بحسب حديثها لـ”المشاهد”.

يسرى هي الأمل الوحيد لأسرتها بعد مقتل والدها، وستنتظر لأعوام إلى أن يكبر أخوها، وتنتقل إليه المهمة التي تتحملها هي اليوم.

تشرد نظرات الطفلة إلى الأطفال مع آبائهم وأمهاتهم، وهم يلعبون على الساحل، أو حين يمرون بجانبها على السيارات، وتتعالى أصواتهم فرحة، وتترك في مخيلتها ألف سؤال لا تجد إجابة على واحد منها.

إقرأ أيضاً  سماهر.. الإبداع في الرسم لمواجهة تحديات المعيشة

لماذا أنا هنا أبحث عن لقمة عيش وحليب لأخي الرضيع؟ لماذا قُتل والدي بصاروخ ولم نره بعدها؟ لماذا كل هذا يحدث؟

أحداث ووقائع وهموم تمر بها هذه الطفلة، ومسؤوليات مُلقاة على عاتقها، تقفز بها من سن الطفولة إلى سنة الشيخوخة.

طفلة حافية القدمين، ترمق الناس لعلها تجد من يتكفل بها كيتيمة، ويرفع عن كاهلها عبء هذه المسؤوليات، ويأخذ بيدها إلى المستقبل والمدرسة بدلًا من التسول.

تقول يُسرى: “أيش نعمل يا عمو؟ نحن نجوع، وأخرج هناك أدور من يجيب لنا أكل أو حليب لأخي أو ملابس”.

أم تفقد حياتها بسبب انعدام الدواء

في نفس المكان الذي تتواجد فيه يسرى، يقابلك العشرات من الأطفال المتسولين الذين يطوفون ساحل أبين، ذهابًا وإيابًا، في مدينة عدن؛ للبحث عن متصدق ولقمة عيش.

كل طفل لديه قصة خاصة به، قصص ممزوجة بالحزن والألم والفقر والجوع والقهر والظلم والخذلان الذي يلاحق الأطفال جراء الحرب.

محمد عايش (9 أعوام) هو الآخر طفل نازح برفقة والده وأخيه، من الحديدة، إلى مدينة عدن، يتسول في المكان نفسه الذي يُعد مقصدًا لزوار مدينة عدن.

يقول محمد إنه أُجبر على النزوح من الدريهمي بمحافظة الحديدة، إلى عدن، بعد وفاة أُمه؛ بسبب عدم قدرتها على عمل جلسات الغسيل الكلوي، والذي تسبب في وفاتها.

نزح محمد مع أبيه وأخيه الذي يُكبره بـ6 أعوام، أواخر العام 2019، ضمن سلسلة النزوح التي انطلقت من الحديدة إلى جميع المحافظات اليمنية.

ويقول الطفل محمد لـ”المشاهد”: “والدي مريض، فهو لا يستطيع العمل، وأخي الأكبر مني تم سجنه في عدن، بسبب حادثة سرقة وقعت في المنطقة التي نسكن فيها، ونحتاج للمال من أجل إخراجه من السجن”.

ويسخر من الواقع، قائلًا: “نحن فقراء محد يهتم بنا، وأبي قال أخرج أُطلب الله من أجل نحصل على مصروف”.

يعيش محمد مع إخوته بجانب أنقاض إحدى العمارات المدمرة جراء الحرب بعدن، ويحلم بإخراج أخيه طارق من السجن؛ الذي اتهم بسرقة حديد قيمته 3 ملايين ريال يمني، لكي يتقاسم معه أعباء هذه الحياة، ويساعده في توفير احتياجات الأُسرة.

يرفض محمد الحديث عن رحلة النزوح من مدينة حيس في الحديدة إلى عدن، ويقول: “أنا باروح أدور لي حد يعطينا فلوس أو أكل، وإذا لقيتك مرة ثانية بكلمك”.

مقالات مشابهة