المشاهد نت

سنوات الحرب تفاقم معاناة المرأة اليمنية مع النزوح

تعز – وفاء غالب:

مع اشتداد المعارك في مدينة الحديدة (غرب البلاد)، في منتصف 2018، بدأت معاناة ميمونة محمد، مع النزوح من منطقة إلى أخرى، بحثًا عن الأمان، بعد أن حاصرهم الرصاص والقذائف المختلفة في المدينة الساحلية. وتقول ميمونة: “كنا نسكن في منطقة كيلو 16 بالحديدة، واحتملنا مرارًا حالة الرعب التي نعيشها من حين لآخر عند اشتداد المواجهات العسكرية”، مضيفة بأسى: “لم نكن نرغب بمغادرة منزلنا، لولا هذه الحرب”.
نزحت ميمونة إلى محافظة تعز (جنوبي غرب البلاد). ويقول زوجها طارق عبدالله: “بدأت حياتنا مع ابني الأول في فندق متواضع قضينا فيه بضعة أيام، ريثما حصلت على غرفة وحمام في إحدى المدارس بصفتي نازحًا، ولم يكن بإمكاني تقديم الرعاية الكافية لهما، بسبب عدم امتلاكي المال الكافي لكل ذلك”.
وانتهى المطاف بالأسرة في دكان صغير مجهز ببعض الحاجيات التي حصلوا عليها من جيرانهم، ويدفعون إيجاره بصعوبة بالغة، نظرًا لعدم حصول طارق على عمل منتظم، بحسب قوله.
يتشابه وضع ميمونة مع منيرة عبده، التي اضطرت للتنقل مرارًا بين منازل أقربائها، بسبب تعرض حي الروضة بتعز الذي كانت تسكن فيه، للقصف، قبل أن تجد غرفة وحمامًا للسكن، في 2016.
وبحسب رواية منيرة، فقد توفي زوجها خلال فترة الحرب الحالية، عام 2016، متأثرًا بإصابة تعرض لها أثناء قصف عشوائي للمدينة، وحين قضى لم يكن لديهم مصدر دخل، فزوجها كان عامل بناء، ولذلك اضطرت للتحرك لتتمكن من دفع إيجار الغرفة، وتضمن سكنًا لها وأبنائها الأربعة الذين لم يتجاوز عمر أكبرهم 12 عامًا.
وتذكر لـ”المشاهد” أنها بدأت من منزلها بتعلم الحياكة بالصوف، كونها لا تتطلب أي أجهزة، وكذا تصنيع بعض معطرات الجسم البسيطة والبخور. وبمساعدة من بعض جيرانها تمكنت من تسديد الإيجار، وتوفير بعض الاحتياجات اللازمة لأسرتها، وبصعوبة تحاول مساعدة أبنائها على الاستمرار بالدراسة أملًا بأن يكون مستقبلهم أفضل.

معاناة يومية في مناطق النزوح

ويعاني قرابة 4 ملايين يمني من النزوح بسبب الحرب التي دخلت عامها السابع، بعد أن اضطروا لمغادرة مساكنهم أو المخيمات التي خُصصت لهم في النزوح الأول، مع توسع رقعة القتال إلى مناطق جديدة، كما حدث مؤخرًا في مأرب التي تؤوي مئات الآلاف من النازحين، إذ نزح منها خلال 3 أسابيع فقط 14 ألف نازح جراء المواجهات بين القوات الحكومية والحوثيين، التي بدأت من مطلع فبراير الماضي.
ويعيش النازحون ظروفًا صعبة للغاية، فهناك من غادر منزله دون أن يكون لديه غير الملابس التي يرتديها، كما أنهم يفقدون كل شيء، ويعيشون في مدارس أو مخيمات، بحسب فؤاد الفقيه، نائب مدير مكتب الشؤون الاجتماعية بتعز، الذي يقول إن هؤلاء يواجهون مشكلات عديدة، أبرزها عدم وجود دورات مياه خاصة بالنساء، وعدم توفير مراكز الإنجاب لتقديم الرعاية للأمهات، وكذا حقائب صحية قريبة من أماكن نزوحهم.
ويضيف الفقيه لـ”المشاهد”: كما أن أغلب النازحين ليس لديهم أدنى أدوات السلامة والصحة، ويفتقرون للتوعية بجوانب عديدة، وحتى مياه الشرب أو المستخدمة بالصرف الصحي.
ويشير الناشط الحقوقي مختار التميمي، إلى أن السكن من أبرز المشكلات التي تواجه النازحين، وتتحمل المرأة عبئًا كبيرًا، بخاصة أثناء محاولتها توفير مياه الشرب والبحث عن مصادره المتوفرة، إضافة إلى أنها تكون مضطرة لاستخدام الحطب لطهي الطعام بدلًا عن الغاز، نظرًا لأنهم فقدوا كل ما يملكون بعد نزوحهم.
وتذكر بدورها الناشطة المجتمعية مرام عبدالملك أن المؤجرين أصبحوا يطلبون من النازحين قبل التأجير لهم، معلومات عن مصدر دخل الزوج ومكان عمله، وإن لم يكن لديه عمل رسمي، يمتنعون عن مساعدتهم، ولذلك يظل الكثير منهم دون سكن.

إقرأ أيضاً  «أنيس».. أقدام مرتعشة على طريق محفوف بالمخاطر

النساء أكثر تضررًا

تعد النساء أكثر المتضررين بسبب النزوح، وتحتاج هذه الفئة مع الأطفال لدعم نفسي واجتماعي في المخيمات، وتوفير مساحات صديقة وآمنة لهم، وتدريب وتأهيل على المهارات الحياتية، وتمكينها اقتصاديًا، حتى تتمكن من التغلب على الظروف القاسية التي تواجهها، وفق الفقيه.
ويذكر صندوق الأمم المتحدة للسكان باليمن، في إحصائيات حديثة له، أن 73% من بين حوالي 4 ملايين نازح في البلاد، هم نساء وأطفال، و30% من الأسر النازحة تعولها حاليًا نساء.
وتشير التقديرات الصادرة عن الصندوق، إلى أن 5 ملايين امرأة وفتاة هن في سن الإنجاب، وأن 1.7 مليون امرأة حامل ومرضع لديهن فرص محدودة أو قد تكون معدومة للحصول على خدمات الصحة الإنجابية، وتموت امرأة يمنية كل ساعتين أثناء المخاض.
وتزداد الحاجة إلى الحماية مع زيادة أعداد النزوح، وتعتمد النساء على آليات تكيف سلبية للبقاء، تتمثل في الزواج المبكر، والاتجار بالبشر، والتسول، وعمالة الأطفال، وغيرها؛ إذ تتزوج واحدة من كل 5 فتيات أعمارهن بين 10 و19 سنة، وفق الصندوق.

قصور في دور المنظمات

وتتفاقم معاناة النازحين مع استمرار الحرب، بحسب الفقيه، الذي أكد أن أعدادهم تزداد بسبب المعارك التي تندلع من حين لآخر، الأمر الذي يعوق دور المنظمات التي لا تقوم بدور كافٍ لمواجهة متطلباتهم.
ويؤكد التميمي، في حديثه مع “المشاهد”، أن دور المنظمات لا يغطي 10% من احتياجات النازحين، مشددًا على أهمية عمل تقييم لتدخلات المنظمات واحتياجات تلك الفئة الذين يفتقر أغلبهم لأبسط الاحتياجات، ويعيشون في دكاكين غير صالحة للسكن، وتساعد على انتقال الأمراض المعدية مثل كورونا.
وتقترح مرام، في تصريحها لـ”المشاهد”، عمل قواعد بيانات مخصصة للنازحين، حتى تتمكن المنظمات من تقديم المساعدة الأولية لهم، مؤكدة على أهمية تحديث عقال الحارات لقواعد البيانات لديهم، لكي يتم ضم أسماء مستفيدين جدد، مشيرة إلى وجود أسر فقيرة لا تحصل على أية مساعدة بسبب اشتراط بعض الجهات العاملة في الإغاثة أن يكون لديهم طفلان أو 3.

مقالات مشابهة