المشاهد نت

جهود ترتيب مشهد الصراع في اليمن.. تبادل للهدايا أم صناعة للسلام؟

صنعاء – وضاح الجليل:

عاد وفد سلطنة عمان إلى مسقط، محملًا بالهدايا والفشل، وهذا الأمر وإن كان متوقعًا؛ إلا أن المغادرة الصامتة، والتي مضى عليها 10 أيام؛ أكدت أن حراك السلام لم يبارح دائرته الضيقة؛ وأن زيارة الوفد العماني لم تشكل إضافة إلى المضمون بقدر ما أضافت إلى المشهد المزيد من العبثية.

الحوثيين، وبرغم أن لا مؤشر على انقلاب تام من المجتمع الدولي على وجودهم ونفوذهم؛ إلا أنهم ليسوا بمنأى عن تصاعد الغضب الدولي تجاههم، ولن يكون إدراج الأمم المتحدة لهم ضمن اللائحة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال، وحديث رئيسة المفوضية السامية لحقوق الإنسان عن انتهاكات الحوثيين لحقوق الإنسان، سوى مؤشر على تحريك عدد من الملفات للضغط على الجماعة


ولم يحظَ مشهد مغادرة الوفد وهو يصعد إلى طائرة سلاح الجو السلطاني في مطار صنعاء، بأكثر من السخرية المجتمعية التي تضمنت تساؤلات عن نوع الهدايا التي كان أعضاء الوفد يحملونها داخل أكياس باللون البرتقالي؟ وما الذي جلبوه معهم من هدايا من مسقط؟ ولم تشكل زيارة الوفد العماني إلى العاصمة اليمنية صنعاء، من طرف الحوثيين، أهمية ما إلى عملية السلام؛ بقدر ما أضافت إلى رصيد الحوثيين السياسي، فبرغم أن السلطنة ظلت ومنذ العام 2015، كمنصة للحوثيين وحليفهم صالح سابقًا؛ وأسهمت في تقديمهم إلى المجتمع الدولي، وتمكينهم من إجراء مفاوضات مباشرة مع اللاعبين الدوليين؛ وتحريرهم جزئيًا من الحصار المفروض على تحركاتهم؛ إلا أن زيارة وفد السلطنة بشكل مباشر إلى مقر نفوذهم؛ أكدت أن الجماعة مازالت تحظى بتقدير لنفوذها، واعتراف بسيطرتها، وأن الغضب الغربي على ممارساتها الأخيرة التي أدت إلى تعقيد مشهد المفاوضات، ووضع شروط تعجيزية للوصول إلى صيغة مناسبة لوقف الحرب؛ لا يعني بأية حال الخصم من رصيدها، أو تحولًا في التعاطي معها، وتغيير الموقف منها، بما يمنح خصومها مساحة تفوق، وانحيازًا دوليًا إليهم.
لكن الحوثيين، وبرغم أن لا مؤشر على انقلاب تام من المجتمع الدولي على وجودهم ونفوذهم؛ إلا أنهم ليسوا بمنأى عن تصاعد الغضب الدولي تجاههم، ولن يكون إدراج الأمم المتحدة لهم ضمن اللائحة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال، وحديث رئيسة المفوضية السامية لحقوق الإنسان عن انتهاكات الحوثيين لحقوق الإنسان، سوى مؤشر على تحريك عدد من الملفات للضغط على الجماعة وابتزازها لتقديم تنازلات كافية للدخول في عملية تفاوضية حقيقية.
الأهم من تقليب أوراق ملفات حقوقية من طرف الأمم المتحدة وهيئاتها، هو اللغة المتصاعدة والحادة من قبل الولايات المتحدة رأسًا، وآخرها اتهام قائد القوات الأمريكية المركزية «سينتكوم»، الجنرال كينيث ماكينزي، الحوثيين برفض مبادرات السلام والسعي لاحتلال مدينة مأرب قبل الدخول في أية مفاوضات، وقصفهم السعودية بشكل شبه يومي بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، وأنهم غير مستعدين لإنهاء الحرب التي تسببت بكارثة إنسانية.

ضغوط دولية على الحوثيين

والتحركات العمانية الأخيرة تأتي في إطار تصعيد الضغط الغربي، والأمريكي خصوصًا، تجاه الحوثيين، لتمكين حدوث عملية تفاوضية في الفترة المقبلة، إذ تسعى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إنجاز شيء في هذا الملف بسرعة قياسية، وستلجأ إلى كل الوسائل المتاحة بشكل تصاعدي، إذ يبدو جليًا أن التحركات العمانية جاءت للتخفف من الضغوط الأمريكية على السلطنة باعتبارها أصبحت منصة للحوثيين، وراعيًا لتحركاتهم الخارجية، إضافة إلى تأثير سياساتها هذه وعلاقتها بإيران ومحورها في المنطقة على ملف الملفات في اليمن، وعلاقتها المتذبذبة والمتوترة في الغالب مع جيرانها في مجلس التعاون الخليجي؛ وهو ما يتيح لها فرصًا كثيرة للعب دور محوري في العملية التفاوضية، وإقناع الحوثيين بتقديم التنازلات المطلوبة من الغرب والولايات المتحدة خصوصًا، للذهاب بعد ذلك في ضغوط تبدو أسهل على الحكومة وحلفائها الخارجيين والداخليين، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، التي تظهر كرأس حربة في الجهة المقابلة من هذا الصراع.
وستعمل السلطنة على محاولة عزل الحوثيين عن إيران إلى حد ما، لتتمكن هي من اللعب على عدد من التفاصيل دون تأثير إيراني، حتى تتمكن من إجبارهم على تقديم ضمانات بوقف هجماتهم على المملكة، أو على الأقل تخفيفها، لتحسين علاقتها مع هذه الأخيرة لتساعدها على ترتيب الأوضاع الداخلية والحد من الغضب الشعبي.

ما الذي لدى الحوثي ليخسره؟

لا يبدو أن لدى الحوثيين الكثير لخسارته في حال لم تتغير المواقف الدولية والإقليمية في التعاطي معهم جذريًا. يدرك الحوثيون أنه مهما تصاعدت حدة الخطاب الغربي ضدهم؛ فإن حاجة القوى الدولية لهم مازالت قائمة، بوصفهم ورقة يمكن بها التلاعب بالأمن السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المنطقة، وبما توفره طبيعتهم الطائفية من فرص لتدخل هذه القوى في شؤون المنطقة وفرض أجندتها متذرعة برعاية مصالحها والحفاظ على أمن الممرات المائية ومنابع النفط القريبة، وهذا يخلق لديهم الحافز للحصول على المزيد من النفوذ والتوسع.
لن يكتفي الحوثي بما تحت أيديهم من مناطق ومحافظات ومؤسسات وموارد مالية؛ فبرغم أنهم يستحوذون على غالبية المحافظات الشمالية، وتحت أيديهم موانئ مائية مهمة؛ وتحت سيطرتهم خزان بشري كبير يقدر بثلثي السكان؛ ما يتيح لهم فرصًا هائلة لتجنيد المقاتلين لزمن طويل؛ إلا أن طموحاتهم أكبر من ذلك بكثير، ولديهم الرغبة والحافز للسيطرة على كل اليمن، ابتداءً بمأرب.
يدرك الحوثيون أن ما تحت أيديهم لا يكفي، فهم لا يملكون الموارد الكافية، فالموارد النفطية والغازية ليست في حوزتهم، بينما بحر العرب وباب المندب أبعد ما يكونان عنهم، وبدون سيطرتهم على مجمل هذه الموارد والمواقع الاستراتيجية؛ فإن وجودهم يبقى في خطر دائم، ومن خلف الحوثيين تقف إيران التي ترى أن تمكينها من إيجاد قاعدة لإقلاق الأمن الإقليمي والعالمي في المنطقة؛ لا يمكن أن يتحقق بدون السيطرة على مجمل اليمن، ومنع وجود أية قوى مناهضة لنفوذها، وحرمان خصمها الرئيس في المنطقة، وهي السعودية، من أي حضور عبر أي طرف مسلح، أو حتى قوى سياسية تحظى بالشعبية، أي أن هدف إيران هو السيطرة على كامل الأراضي اليمنية، وتجريفها من الحراك السياسي لضمان عدم تدخل أي طرف إقليمي أو دولي ومنافستها هناك، وهذا كله يعني استعدادها لدعم وتمويل الحوثي من أجل حرب طويلة.

لمأرب أهمية اقتصادية بالغة، ففيها منابع النفط والغاز، والتي ستوفر للحوثي رافدًا اقتصاديًا مهمًا لحروبه وتوسعاته، كما أن المحطة الكهربائية الأكبر في البلاد ستمنح الحوثي سببًا لمحاولة استرضاء المجتمع الذي يعيش منذ 6 سنوات بدون كهرباء بسبب الحرب، وسيحاول الحوثي من خلال تشغيلها وإداراتها تأكيد أحقيته بالسيطرة والنفوذ.


تمثل مأرب أهم محطة من محطات توقف الحرب الطويلة قبل استئنافها، فالحوثي ومن خلفه إيران يهدفان إلى السيطرة على هذه المحافظة في أسرع وقت، أو حتى في وقت طويل، وقبل هذه السيطرة المنشودة؛ سيعيقان أية عملية تفاوضية أو تسوية سياسية ممكنة، لأنه وبدون السيطرة على مأرب؛ سيظل نفوذ وسيطرة الحوثي تحت التهديد.
مأرب هي المعقل الأهم للحكومة والقوى المؤيدة لها، وتقريبًا هي المعقل الأخير، وسقوطها بيد الحوثي؛ يزيح الحكومة وحلفاءها إلى الهامش في أية عملية تفاوضية قادمة، ويتيح للحوثيين أوراقًا تفاوضية قوية مع الخارج، وفي المقدمة السعودية، ويدفع أغلب الأطراف المعنية في اليمن للتعامل معهم بجدية أكثر، والإقرار لهم بما حققوه من مكاسب ونفوذ، في حين تخسر الشرعية مركزها كصاحبة الحق الأول سياسيًا، وتخسر الدعم الاجتماعي والتأييد الشعبي، خصوصًا بعد ما تعرضت له من ضربات كثيرة من داخلها وحلفائها، وما تعانيه من انقسامات وانعدام التواؤم بين مؤيديها.
ولمأرب أيضًا أهمية اقتصادية بالغة، ففيها منابع النفط والغاز، والتي ستوفر للحوثي رافدًا اقتصاديًا مهمًا لحروبه وتوسعاته، كما أن المحطة الكهربائية الأكبر في البلاد ستمنح الحوثي سببًا لمحاولة استرضاء المجتمع الذي يعيش منذ 6 سنوات بدون كهرباء بسبب الحرب، وسيحاول الحوثي من خلال تشغيلها وإداراتها تأكيد أحقيته بالسيطرة والنفوذ.
وفي مأرب تشكل مجتمع جديد يرفض النفوذ الحوثي ويقاومه، وأغلب أفراد هذا المجتمع هم من أهالي المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون بالقوة.
وكان تعداد سكان مدينة مأرب قبل هذه الحرب، لا يتعدى الـ30 ألفًا، بحسب بعض التقديرات والإحصائيات، إلا أنه وبفعل النزوح الجماعي إليها من مناطق سيطرة الحوثي، خوفًا من البطش والتنكيل، وهروب الكثير من الناشطين السياسيين، وتكثيف الأنشطة الحكومية فيها باعتبارها أقرب مدينة لم يصل إليها التوسع الحوثي، وتحويلها إلى مقر للعمليات العسكرية والمنشآت المدنية؛ تزايد عدد سكان مأرب خلال الأعوام الماضية، حتى أصبح قرابة المليوني نسمة، بحسب بعض التقديرات، وأغلبهم من النازحين الذين في مخيمات منقوصة الخدمات والرعاية الاجتماعية.
وبدأت المدينة بالتحول إلى عاصمة غير رسمية لليمنيين، إذ يأوي إليها المواطنون من مختلف المحافظات، ويتشكل فيها مجتمع جديد يكاد يكون نسخة من المجتمع الذي تشكل خلال الـ50 عامًا الماضية، في العاصمة صنعاء، وهو الأمر الذي يهدد النفوذ الحوثي بأكثر من طريقة.

إقرأ أيضاً  تعز : الابتهاج بالعيد رغم الحرب والحصار

الانتقالي والبحث عن مقعد تفاوضي

لم تعد الحكومة تسيطر على عدن، أهم مدن البلاد، والتي خسرتها لصالح المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات، والذي يتوجه إلى إقامة سلطته الخاصة فيها، مستقلًا تمامًا عن الحكومة، ويبحث في الوقت نفسه عن مقعد تفاوضي في أية جولة مفاوضات قادمة، ليضمن وضع شروطه، والتحدث باسم المحافظات الجنوبية كما يزعم، مطالبًا باستقلالها، أو على الأقل الحصول على مكاسب نفوذ وسيطرة معترف بها دوليًا.
لأكثر من مرة يلمح قادة وإعلاميون في المجلس الانتقالي إلى أن معركة مأرب لا تعنيهم، وأنهم ينتظرون ما ستسفر عنه قبل البدء في أية مفاوضات، من أجل أن يكونوا طرفًا في تلك المفاوضات، وهو يكشف عن أمنيات بأن ينتصر الحوثي في مأرب، ويزيح الحكومة إلى الهامش؛ ليصعد الانتقالي بديلًا تفاوضيًا في واقع جديد، يتوقع الانتقالي أنه سيكون فيه ممثلًا للجنوب، وسيحصل مقابل ذلك على اعتراف دولي، وفي ندية مع الطرف المسيطر على المحافظات الشمالية، أي الحوثي.

لأكثر من مرة يلمح قادة وإعلاميون في المجلس الانتقالي إلى أن معركة مأرب لا تعنيهم، وأنهم ينتظرون ما ستسفر عنه قبل البدء في أية مفاوضات، من أجل أن يكونوا طرفًا في تلك المفاوضات، وهو يكشف عن أمنيات بأن ينتصر الحوثي في مأرب، ويزيح الحكومة إلى الهامش؛ ليصعد الانتقالي بديلًا تفاوضيًا في واقع جديد، يتوقع الانتقالي أنه سيكون فيه ممثلًا للجنوب


إلا أن هذه الأمنيات تتجاهل بسذاجة مفرطة الطموحات الحوثية، والرغبات الإيرانية، وأن الحوثيين، وإن كانوا سيتوقفون في مأرب، للدخول في عملية تفاوضية يضعون فيها شروطهم المعقدة؛ فإن مأرب ستكون أيضًا محطة لالتقاط الأنفاس، والبدء بالإعداد لعملية عسكرية واسعة تستهدف المزيد من المحافظات جنوبًا وشرقًا، وحتى غربًا للإجهاز على ما تبقى من محافظتي البيضاء وتعز خارج سيطرتهم، وبمجرد السيطرة على مأرب؛ فإن الطموح يتضاعف بالتأكيد، ومأرب بقدر ما هي مهمة حاليًا للحوثي عسكريًا واستراتيجيًا واقتصاديًا، فإنها لن تكون كافية، وثمة محافظات أخرى تفوقها في الأهمية، ولديها أيضًا الموارد الاقتصادية والاستراتيجية، والوصول إلى سواحل البحر العربي لن يكون مجرد أمنية؛ بل هدفًا استراتيجيًا، ولن يتوقف الطموح الحوثي عند محافظة شبوة وميناء بلحاف لتصدير الغاز فحسب؛ بل إن السيطرة على محافظة حضرموت بالكامل، ومن ثم المهرة شرقًا، هو بالتأكيد هدف استراتيجي بعيد المدى للحوثي وإيران، خصوصًا وأن السيطرة على كل هذه المساحات؛ تمثل استهدافًا لخاصرة السعودية ونفوذها ومطامحها في سواحل بحر العرب.

ما الذي يريده الغرب والأمريكان؟

ومكنت سياسات الغرب تجاه اليمن، الحوثيين من التوسع والنفوذ والسيطرة برغم مقاومة المجتمع وغالبية القوى السياسية والاجتماعية، وبرغم تدخل دول عربية جارة بالسلاح والمال والسياسة، وبرغم أن القانون الدولي يصنفهم كمتمردين، ويمنح الحق في السيادة على البلد للسلطة المعترف بها دوليًا، برئاسة عبد ربه منصور هادي.

لا يمكن فصل الملف النووي الإيراني عن الملف اليمني في أي حديث غربي، وإدارة بايدن ومن خلال مفاوضاتها مع إيران، تبحث عن طريقة ما لإغراء إيران ومقايضتها بملفات تخص نفوذها في مناطق أخرى في العراق وسوريا، بل حتى تهديدها الأمن الخليجي


وطوال السنوات الماضية، سمحت هذه السياسات بإطالة الحرب وتوسعها، وحولتها إلى مجال للابتزاز والمناورة والاستنزاف، دون أن تمكن طرفًا واحدًا على الأرض من تحقيق نصر حقيقي وحاسم، أو حتى ضمان استمرارية نفوذه. ولا يمكن فصل الملف النووي الإيراني عن الملف اليمني في أي حديث غربي، وإدارة بايدن ومن خلال مفاوضاتها مع إيران، تبحث عن طريقة ما لإغراء إيران ومقايضتها

إدارة بايدن مرتبكًا في تعاطيها مع الملف اليمني، لأنه من السهولة إعطاء إيران دورًا أكبر، وهو ما يتبعه بالضرورة تأثر العلاقات مع الحلفاء التاريخيين مثل السعودية

بملفات تخص نفوذها في مناطق أخرى في العراق وسوريا، بل حتى تهديدها الأمن الخليجي، لكن إدارة بايدن بقدر ما تطلب من إيران التخلي عن جزء كبير من نفوذها شمال الجزيرة العربية، مقابل توسيع نفوذها في اليمن؛ فإنها تحاول استغفال إيران في هذا الشأن أيضًا، ومنح الحوثيين نوعًا من الاستقلالية يسمح لها بالتعاطي المباشر معهم دون الرجوع إلى طهران، وما الأحاديث الأمريكية الخارجة من مراكز الدراسات أو صناعة السياسات عن أن إيران ليست هي صانعة القرار الحوثي، وهي لا تدير الحركة الحوثية أو تصدر لها الأوامر؛ إلا إيحاء للحوثيين بالحصول على بعض الاستقلالية، إلى جانب خداع الحلفاء في المنطقة مثل السعودية، ودفعها إلى تقديم تنازلات، لكن هذا كله يجعل الموقف الأمريكي في إدارة بايدن مرتبكًا في تعاطيها مع الملف اليمني، لأنه من السهولة إعطاء إيران دورًا أكبر، وهو ما يتبعه بالضرورة تأثر العلاقات مع الحلفاء التاريخيين مثل السعودية التي ستتوجه إلى التصرف والبحث عن حلفاء إضافيين قد يكونون منافسين للولايات المتحدة في المنطقة، لكن من الصعوبة إقناع الحوثيين بالتعاطي المباشر معهم دون إذن من طهران؛ فهذا الأمر معقد وشائك؛ نظرًا للارتباط العضوي بين الحركة الحوثية، والحرس الثوري الإيراني.
ولأن إيران لن تغفل عن هذا الأمر، ولن تسمح بحدوثه بسهولة، طالما هي مجال المقايضة الأهم بين الغرب وإيران حاليًا، بعد أن هدأت المعارك في العراق وسوريا بانتصار العصابات الطائفية الموالية للحرس الثوري، لكن المعركة في اليمن لم تنتهِ، ولم تحصل إيران على مؤشرات بحدوث نصر حقيقي وشامل.
إن الولايات المتحدة بقدر ما تحاول تقليص الدور السعودي في اليمن؛ فهي لا تريد أن تأتي بإيران بديلة لها، لأنها ترغب في ذلك؛ بل لأنها تبحث عن أكثر الطرق نجاعة لإضعاف أية دولة قوية في المنطقة، وعدم السماح لها بحماية نفسها أو الخروج من دار الحضانة، وإبقاء منابع النفط وممرات الملاحة بحاجة إلى حماية أمريكية، وبفاتورة باهظة الكلفة.
إذن، مازال السلام الحقيقي أبعد ما يكون، وما يحدث من جهود دولية غربية وإقليمية؛ ليس أكثر من بحث عن صيغة ما لتغيير مشهدية الصراع، وتبديل أدوار الفاعلين المحليين والخارجيين.

مقالات مشابهة