المشاهد نت

صراع السيطرة على كبرى محافظات اليمن

قوى قديمة وجديدة تتصارع على حضرموت، كبرى محافظات اليمن

حضرموت – محمد سليمان:

محاولة السيطرة وفرض النفوذ على محافظة حضرموت، جنوب شرق اليمن، ليست شيئًا جديدًا. فحروب السيطرة ابتدأت من محاولة البرتغاليين الفاشلة لاجتياح مدينة الشحر، مرورًا بصراع السلاطين، إلى سيطرة الجبهة القومية في ستينيات القرن الماضي، ليأخذ الصراع بعد العام 1990، عدة منحنيات بين النفوذ العسكري والسياسي و القبلي.

وتعد محافظة حضرموت أكبر وأغنى محافظات الجمهورية اليمنية، إذ تبلغ مساحة المحافظة، حسب المركز الوطني للمعلومات، (193.032 كيلومترًا مربعًا، وتحتوي على مناطق زراعية شاسعة، بالإضافة إلى سواحل تمتد على 120 كم على البحر العربي، وفيها عدد من حقول النفط، أبرزها حقول المسيلة وحقول الخشعة، وبعض مناجم الذهب. وتقع المحافظة على شريط حدودي طويل يربطها بالمملكة العربية السعودية، ويصلها بها منفذ الوديعة البري.

نفوذ عسكري متعدد

بعد اجتياح قوات علي عبدالله صالح لمحافظة حضرموت، أثناء حرب صيف 1994، حرص على أن يكون النفوذ العسكري بإشراف مباشر منه، فعمد إلى تعيين العميد الركن محمد أحمد إسماعيل (المقرب منه عائليًا)، قائدًا عسكريًا للمنطقة الشرقية، فيما استقر اللواء عبدالرحمن الحليلي بلواء الخشعة -أحد أقوى الألوية في الجمهورية- بمنطقة العبر، بالإضافة إلى استقرار اللواء 11 حرس حدود بقيادة اللواء صالح طيمس، المقرب من عبد ربه منصور هادي -الذي شارك بقوات جنوبية مع ما سميت قوات الشرعية، في تلك الحرب- بالحدود الرابطة بين حضرموت والمملكة، وأبقى على المدن الرئيسية تحت سيطرة القوة الأمنية التابعة مباشرة له، وكان أبرزها قوات الأمن المركزي والأمن السياسي والقومي ووحدات من القوات الخاصة.

في 2011، كانت بوادر الثورة الشبابية باليمن، والتي طالبت بإنهاء نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الأمر الذي أحدث صراعًا بين أقطاب القرار العسكري بالعاصمة صنعاء، والذي انعكس على الأطراف، فتم تقسيم البلاد إلى عدة مناطق عسكرية، وكانت في حضرموت منطقتان عسكريتان، هما المنطقة العسكرية الأولى بوادي وصحراء حضرموت، بقيادة اللواء الركن محمد عبدالله الصوملي (المحسوب على حزب الإصلاح، والمقرب من الجنرال علي محسن الأحمر)، فيما تولى قيادة المنطقة العسكرية الثانية الواقعة بمناطق ساحل حضرموت، اللواء محسن ناصر الحسني، المقرب من الرئيس السابق علي عبدالله صالح.

تقسيم أتى بعد خلاف سعودي مع الرئيس السابق، الذي استأثر بمواقع الثروة النفطية، فيما كان الهدف السعودي تأمين حدودها الجنوبية بقوات لها القدرة على أمن جانبها، كما يقول العميد المتقاعد، سالم العبد، في حديثه لـ”المشاهد”.

انقلاب الحوثيين

تسارعت الأحداث بعد تسليم السلطة للرئيس عبد ربه منصور هادي، إذ انقلب أنصار الله (الحوثيون) مع قوات الرئيس صالح، على الحكومة الشرعية، وحاصروها والرئيس بصنعاء، بعدها حاولت القوات نفسها اجتياح عدن بعد هروب الرئيس المنتخب هادي إليها، وتدخلت قوات التحالف العربي لدعم الشرعية بقيادة السعودية، بعملية “عاصفة الحزم”. في خضم كل هذا الصراع، وبصورة غير متوقعة، في أبريل 2015، سقطت خلال يوم واحد عاصمة محافظة حضرموت (المكلا)، وكافة مناطق سيطرة المنطقة العسكرية الثانية بساحل حضرموت، في أيدي عناصر تنظيم القاعدة، فيما هرب جنودها وقادتها منقسمين بين محافظة المهرة ومناطق وادي حضرموت، في الوقت ذاته فرضت قوات تابعة للعميد هاشم الأحمر سيطرتها على منفذ الوديعة ومساحة من الشريط الحدودي مع المملكة العربية السعودية.

تأسيس النخبة الحضرمية

بعدها عمدت قوات التحالف العربي لدعم الشرعية، وبالتحديد دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى فتح معسكرات تدريبية لمجندين حضارم، والسعي إلى إعادة تأسيس المنطقة العسكرية الثانية التي أصدر رئيس الجمهورية قرارًا جمهوريًا عين فيه اللواء عبدالرحيم عتيق قائدًا لها، وأسست قوات النخبة الحضرمية التي قامت بطرد عناصر تنظيم القاعدة من ساحل حضرموت، في أبريل 2016، وفرضت سيطرتها على ساحل حضرموت، بما فيه حقول المسيلة النفطية.

عودة النفوذ القبلي

محافظة حضرموت تُعرف بمجتمعها القبلي أسوة بكافة مناطق اليمن، ولكن بعد حكم الحزب الاشتراكي اليمني لجنوب اليمن، قام بكبح جماح السيطرة والنفوذ القبلي، وفعّل مؤسسات الدولة وقواتها العسكرية، فلم تكن للقبيلة سطوة كبيرة كنظيراتها بشمال اليمن، وبعد العام 1990، أعيدت القبيلة بغطاء وأجندة سياسية، بإرادة الرئيس صالح، كما يرى المهتم بالشأن القبلي عبدالعزيز بن شيبان، الذي أضاف في حديثه لـ”المشاهد” أن النفوذ الأبرز للقبيلة بحضرموت بدأ في العام 2013، بعد اغتيال رئيس حلف قبائل حضرموت الشيخ سعد بن حبريش. لتقوم ما سميت “الهبة الشعبية الحضرمية” في ديسمبر من العام نفسه، وتكوين حلف حضرموت. لتخوض لاحقا القبائل مواجهات ضد القوات العسكرية، وبخاصة في الهضبة الجنوبية، وبالتحديد في نطاق الحقول النفطية، حسب مصدر قبلي طلب عدم نشر اسمه لحساسية الموضوع. وكان لقبائل الحموم الحضرمية زعامة هذه المواجهات مع بقية القبائل الحضرمية، فرضت خلالها سيطرة جزئية على مناطق شاسعة فيها، إلى أن اكتملت السيطرة في 2015، عقب سقوط المكلا بيد تنظيم القاعدة، ومن ثم تم احتواء رجال القبائل بضمهم لصفوف ألوية حماية الشركات ضمن المنطقة العسكرية الثانية المنتمي جميع أفرادها إلى محافظة حضرموت.

اختلاف قبلي بغطاء سياسي

بعد استتباب الوضع في مدن الساحل الحضرمي، أسس الحضارم، في أبريل 2017، مؤتمر حضرموت الجامع، الذي شاركت فيه غالبية القوى والفئات الاجتماعية والأكاديميين والمثقفين والسياسيين الحضارم بالداخل والخارج. وخرج المؤتمر بوثيقة متكاملة ترى تصورًا لحضرموت المستقبلية في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكافة المجالات الفرعية الأخرى. وثيقة المؤتمر تمثل إطارًا لدولة قادمة في ظل استمرار الحرب الراهنة وضبابية المشهد القادم يظل احتمالًا واردًا في سياق مخاوف مستمرة من تمزق البلاد إلى دويلات، كما يرى الباحث بمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية توفيق الجند، الذي قال في ورقة بحثه المنشورة بالمركز: “أتى في ديباجة بيان مؤتمر حضرموت الجامع “تمكين أبنائها من إدارة شؤونها السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والعسكرية والأمنية، أصبح حتميًّا، وبإرادتهم الحرة، وفق خطط واستراتيجيات يعدونها لرسم مستقبل حضرموت المشرق”، وهي مقدمة تنم عن أهداف واضحة تتعامل مع حضرموت كهوية أكثر من كونها جزءًا من دولة يمنية أوسع”.

إقرأ أيضاً  عملة معدنية جديدة.. هل فشلت جهود إنهاء الانقسام النقدي؟

لم يدم إجماع الحضارم طويلًا، حتى دبت الخلافات بين شيوخ القبائل على بعض الإجراءات المختصة برئاسة حلف حضرموت، والعمل بمخرجات مؤتمر حضرموت، نتج عن ذلك تأسيس كيان قلبي موازٍ لحلف حضرموت، وسمي مرجعية حلف قبائل حضرموت، وينشط في مناطق وادي وصحراء حضرموت المسيطر عليها من قبل قوات الحكومة الشرعية، هو خلاف سياسي أكثر من أي شي آخر، كما يرى شيبان، أفضى إلى تقسيم حضرموت إلى مناطق الساحل المائلة للمجلس الانتقالي الجنوبي وذات نزعة انفصالية (غير معلنة)، ومناطق وادي حضرموت التي تقع تحت حكم القوات الشرعية، التي ينتمي أغلب منتسبيها لمناطق الشمال.

النفوذ السياسي

وإن كانت كل أنواع صراع النفوذ يعود مصبها لفرض نفوذ سياسي، فلم يكن من الصعب سيطرة طرفي معادلة قوى الشمال سياسيًا على المشهد بحضرموت، وبخاصة أن الحزب الاشتراكي قد مني بهزيمة ساحقة في حرب صيف 1994، بينما انتهى المطاف بقياداته بين قتيل ومعتقل وهارب، وقد كان الخلاف في بادئ الأمر على غنائم الحرب، فكان للقوى القبيلة الموالية لحزب الإصلاح نصيب الأسد منها.

واكتفى المؤتمر الشعبي العام -وهو الحزب الحاكم- بتسلم مقاليد الإدارات القيادية في إدارة المحافظة والمناصب الأمنية وفروع الوزارات السيادية، فيما أخذ حزب التجمع اليمني للإصلاح مناصب بوزارات أخرى، وقد استطاع في الفترة من 1994 إلى 2011، أن يسيطر بشكل كاسح على المجالس المحلية المنتخبة ودوائر مجالس النواب في المحافظة، بينما كانت مقاليد الحكم الفعلية بيد الحزب الحاكم والآمر الناهي بفعل القوة المالية والعسكرية والقبيلة التي منحها لمنتسبيه، ليبقي منافسة الآخرين في ظل المناورة السياسية وإضافة غطاء الديمقراطية على الحكم العسكري لزعيمه صالح.

صراع السيطرة على كبرى محافظات اليمن

انتخابات 2006

بدأ الخطر داهمًا على الرئيس صالح ورفقاء حزبه في انتخابات 2006 الرئاسية، والتي أعدت أحزاب اللقاء المشترك، وبمقدمتها التجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي، العدة بترشيح ودعم الشخصية القيادية الحضرمية المهندس فيصل بن شملان، للانتخابات الرئاسية عنهم، إلا أنه استطاع تجاوز هذا بتأييد الشيخ القبلي عبدالله الأحمر (الأب الروحي للتجمع اليمني للإصلاح)، وبدعم أفراد الجيش الذين وضعوا أصواتهم بالانتخابات لصالحه. لم يمر على الانتخابات كثير حتى اتخذت المعارضة طريقًا أكثر صعوبة في سبيل إزاحة صالح وحكمه، فكانت ثورة 11 فبراير، بقي الحزب الحاكم خلالها والسنوات الأربع التي تلتها محافظًا على قوته بحضرموت، وذلك باستخدام أجهزة المخابرات والدولة العميقة في مواجهة حزب الإصلاح الذي تمكن من أخذ بعض من المناصب القيادية بالمحافظة منها المحافظ.

وحسب خريج قسم العلوم السياسية، سعيد باسبعين، في حديثه لـ”المشاهد”، فقد كانت أحداث سقوط المكلا بيد عناصر تنظيم القاعدة، في 2015، هي القاصمة بالنسبة لحزب المؤتمر الشعبي العام، إذ تشكل مدن الساحل الحاضنة الفعلية له طوال فترة حكمه، فأضحت قيادته في حضرموت بين معتقل لدى القاعدة وهارب خارج الوطن، كما كان لحرب حزب صالح مع الحوثيين ومحاولة اجتياح مناطق بالجنوب اليمني الوقع في نفوس قيادات الصف الثاني للحزب بالمحافظة، والتي آثرت الانسحاب من المشهد برمته، حد وصفه.

مكون حضرمي صاعد

يعد مؤتمر حضرموت الجامع الذي انعقد في أبريل 2017، المكون الأكثر قبولًا وأكثر قربًا من المكونات والأحزاب الأخرى للمواطنين بحضرموت، والذين يطالبون بنيل حضرموت حقوقها كاملة، بل يذهب بعضهم لإعلان حضرموت دولة مستقلة، وكون المؤتمر مكونًا حضرميًا خالصًا، وله مطالبات خاصة بحضرموت، وفق أدبيات ورؤى كاملة لموقع حضرموت بالأنظمة القادمة شمالًا وجنوبًا، واستطاع إيجاد تكوين سياسي متكامل بكافة المديريات.

هذا القبول شكل خطرًا كبيرًا على قوى النفوذ القديمة (الإصلاح، المؤتمر) من جهة، بصفته كيانًا مهددًا لوحدة اليمن، والقوى الطارئة مؤخرًا جنوبًا ممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي، من جهة أخرى، والذي يرى فيه مهددًا لمشروع الانفصال وتكوين الدولة الجنوبية. كل هذه القوى حافظت على استخدام القوة الناعمة لجذب هذا المكون إلى وجهتها، ولا تمانع في بعض الأحيان استخدام العنف بشقيه السياسي والإعلامي.

كما قامت بخلق وتفريخ مكونات منشقة عنه، منها مكون مرجعية حلف قبائل حضرموت الوادي والصحراء، وكتلة مؤتمر حضرموت الجامع من أجل حضرموت والجنوب، التي تتبع المجلس الانتقالي، إلا أن الجامع أوجد لنفسه خطوة كبيرة، إذ تم إدراجه ضمن اتفاق الرياض بين المكونات المختلفة، وهذا يؤسس لموقع كبير له على الساحة الحضرمية واليمنية إذا وجد قوة التأثير المالية والسياسية وحتى العسكرية مستقبلًا.

مقالات مشابهة