المشاهد نت

أخطاء إدارية تفاقم أزمة المياه في صنعاء

يعتمد معظم سكان صنعاء على مياه السبيل بعد توقف مشروع المؤسسة الحكومية

صنعاء – عصام صبري

قبل أن تذهب الطفلة هدى الريمي إلى المدرسة في الصباح الباكر، تضطر كل يوم إلى أن تصطف في طابور طويل مع أقرانها من أبناء حي السنينة، غرب العاصمة صنعاء، من أجل الحصول على ليترات من المياه التي يتم جلبها من خزان الماء (السبيل) الذي أوقفه أحد رجال الأعمال كصدقة جارية من أجل المساهمة في توفير المياه لأهالي الحي الذي يقطنونه.

كانت المياه متوفرة في منزل عائلة هدى قبيل بدء الحرب، من قبل المؤسسة المحلية للمياه (مؤسسة حكومية). تم تشغيل مشاريع المياه في صنعاء بعد الحرب لفترة قصيرة لكنها توقفت منذ عامين، كما تقول والدة هدى في حديثها لـ”المشاهد”.

المشهد ذاته يتكرر في غالبية أحياء وحارات العاصمة صنعاء والمناطق المجاورة لها، منذ اندلاع الحرب التي تدخل عامها السابع في اليمن، إذ يعتمد معظم ساكني صنعاء على مياه السبيل، بسبب انقطاع المياه التي كانت تأتيهم من المؤسسة الحكومية، إذ أصبحت معظم أنابيب توصيل المياه متهالكة لعدم توفر الصيانة الدورية، وبسبب عدم مقدرة مؤسسة المياه على ضخ المياه لغالبية حارات وأحياء صنعاء بسبب قضايا فساد مالية، ولانقطاع الوقود اللازم لتشغيل محطات المياه، وفقًا لما يؤكده مواطنون ومسؤولون في مؤسسة المياه والصرف الصحي بالأمانة، خلال أحاديثهم لـ”المشاهد”.

أما صهاريج المياه المتنقلة والمسماة محليًا “الوايتات”، فقد أصبحت جزءًا من معاناة المواطنين في صنعاء بسبب ارتفاع أسعارها الجنوني، وهي المشكلة التي تؤرق الستيني محمد العمادي، الذي يشكو من عدم مقدرته على شراء المياه من الوايتات، قائلًا لـ”المشاهد”: “مع انقطاع المرتبات لم أستطع دفع المديونية المتراكمة عليّ من قبل مؤسسة المياه، فسارع العاملون في المؤسسة إلى سد المجاري الخاصة بمنزلنا، رغم أن المؤسسة لم تعُد تضخ المياه، حينها اضطررنا لشراء المياه من أصحاب الوايتات، كنا نشتري الوايت سعة 6000 لتر بـ2500 ريال، واليوم ارتفع سعره إلى 6000 ريال، وهو مبلغ باهظ”.

جذور الأزمة

حينما سيطرت جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء، العام 2014، بدأت أزمة انعدام المياه تتفاقم في المدينة التي تعاني أصلًا من نقص حاد في حوضها المائي قبل بدء الحرب، نتيجة استنزاف موارد المياه الجوفية والحفر العشوائي للآبار من قبل السكان ومزارعي القات.

وتشير إحصائية صادرة عن وزارة المياه، اطلع “المشاهد” عليها، إلى أن العاصمة صنعاء تعاني من هبوط للمياه الجوفية يقدر بحدود 7 أمتار في السنة الواحدة، وأن معدل السحب السنوي للمياه من حوض صنعاء ثلاثة أضعاف التغذية.

في الأيام الأولى من اندلاع الحرب، أوقفت مؤسسة المياه الحكومية ضح المياه نتيجة انعدام الوقود اللازم لتشغيل المضخات، وشهدت تلك الفترة مشكلة طفح المجاري لعدم عمل محطات الصرف الصحي، حينها لم يعرف قاطنو صنعاء أزمة كالتي حدثت، إذ وصل سعر بيع خزان الماء المتنقل “الوايت” إلى 10 آلاف ريال، وهو المبلغ الذي لا تقدر على دفعه آلاف العائلات الفقيرة وذات الدخل المتوسط.

اليوم نشتري المياه ضعف ما كانت عليه في السابق، والحوثيون يريدوننا أن نبيع المياه بأسعار أقل من قيمتها المشتراة، وهذا يعني أنهم يريدوننا أن نخسر، ونحن لم نعد نقتنع إلا بما نسد به رمق عيشنا، لحين وجود دولة”.

كذلك أدت مشكلة طفح المجاري إلى قلة وجود مياه صالحة للشرب، وانعدام الصرف الصحي في معظم بيوت ساكني صنعاء، الأمر الذي فاقم من انتشار المصابين بمرض الكوليرا خلال العامين 2016، و20018، إذ لم بكن من أولويات جماعة الحوثي في أيام حكمها الأولى الالتفات للخدمات المقدمة للمواطنين. تلك الفترة شهدت محاولات الحوثيين تعزيز قبضتهم العسكرية على المناطق التي يسيطرون عليها، بعد أن فقدوا مدنًا كثيرة بعد تحرير مدينة عدن.

استمر الحال مدة عامين، والناس يعانون من أزمات مؤلمة في المياه والصرف الصحي وانتشار للكوليرا والأوبئة المختلفة، حينها قررت جماعة الحوثي تعيين أحد أعضاء لجانها الثورية محمد مداعس، قائمًا بأعمال مدير مؤسسة المياه بالأمانة، ونفذت الجماعة حملة تمت بموجبها إقالة الكوادر الإدارية للمؤسسة، واستبدلتهم بعناصر موالية لها. محاولات رأت الجماعة أنها ستنقذ الوضع.

إقرأ أيضاً   الحلويات الصنعانية... عادة رمضانية

لكن تلك التغييرات كانت نتائجها عكسية، إذ أثارت حنق عدد كبير من الموظفين الإداريين والفنيين الذين وجدوا أنفسهم في البيوت بسبب سياسة الإقصاء والتهميش التي عمدت إلى تنفيذها الجماعة الحوثية، كانت المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي بالأمانة في تلك الفترة تشهد صراعًا على الكراسي بين الموالين لجماعة الحوثي، وانتهى الصراع بتعيين محمد عبدالوهاب الشامي مديرًا للمؤسسة، وابن عمه محمد الشامي نائبًا له، وهو الأمر الذي كانت له انعكاسات سلبية على خدمات المياه والصرف الصحي المقدمة لقاطني صنعاء.

لم تنفرج الأوضاع إلا بعد أن تدخلت منظمات دولية كمنظمة اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية، إذ نفذتا مشروع المياه والإصحاح البيئي، ودعمتا وزارة المياه ومؤسسة المياه الواقعتين تحت سيطرة الحوثيين، بالديزل والبترول المشغل لمضخات المياه ومحطات معالجة الصرف الصحي.

استمر الوضع حتى عادت الصراعات بقوة، لتنتهي في منتصف فبراير الماضي، بإحالة وزير المياه في حكومة الحوثيين نبيل الوزير، وعدد من المسؤولين في الوزارة، إلى النيابة العامة، من قبل الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، ومنعهم من السفر خارج اليمن، بتهم فساد في قطاع المياه، وهي تهم تأتي على خلفية دعم منظمة اليونيسف لمشاريع قطاع المياه في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.

لم تمر فترة الشهرين منذ قرار الحوثيين إيقاف وزير مياههم، حتى عينت الجماعة عبدالرقيب الشرماني أحد المسؤولين في الوزارة ذاتها، وهو مسؤول كان قد مُنع أيضًا من العمل، وأحيل للنيابة لتورطه في قضايا فساد في قطاع المياه.

وخلال تلك الفترة أوقفت منظمة اليونيسف دعمها للمؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي بالأمانة، التابعة لوزارة المياه، كما أوقفت عددًا من المشاريع التي كانت تنوي تنفيذها في ضواحي العاصمة صنعاء، وهنا بدأت فصول جديدة لمعاناة الناس.

محاولات للإنقاذ

أخطاء إدارية تفاقم أزمة المياه في صنعاء
ارتفاع سعر المياه من الصهاريج المتنقلة (الوايتات) يدفع كثير من الأسر نحو مياه السبيل

كانت العاصمة صنعاء تستهلك نحو 5 ملايين لتر من المياه في السنة الواحدة، وزادت كميات الاستهلاك أضعافًا كثيرة منذ بدء الحرب، مع تزايد أعداد ساكني العاصمة صنعاء، وتزايد موجة النزوح. كل تلك الأمور تُعد من مسببات أزمة المياه الحالية في صنعاء، بحسب المهندس عادل معوضة، المدير الفني للمؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي.

وفي حديثه لـ”المشاهد” يقول معوضة: “لقد عانت إدارة المؤسسة والعاملون فيها من مشكلات جمة منذ بدء الحرب، كادت تلك المشكلات أن تؤدي لانهيار المؤسسة”.

من بين المشكلات التي كانت وماتزال تعاني منها المؤسسة الحكومية للمياه، وفقًا لمعوضة: “عدم مقدرة المؤسسة على الإيفاء بالتزاماتها في صيانة شبكات المياه المتهالكة، وكذلك عدم مقدرتها على إدخال خدمة المياه والصرف الصحي لمناطق جديدة في العاصمة صنعاء، بسبب عدم وجود ميزانية مالية لتنفيذ مشاريع جديدة بسبب الحرب، كذلك ضعف الإيرادات المالية للمؤسسة بسبب انقطاع مرتبات الموظفين والظروف الاقتصادية السيئة التي يعاني منها المواطن”.

ويشير معوضة إلى أن المديونية المستحقة لمؤسسة المياه بالأمانة تُقدر بـ13 مليار ريال يمني، في ذمة المؤسسات الحكومية والتجارية، وكذلك المواطنين القاطنين في العاصمة صنعاء.

ويؤكد أن المؤسسة حاليًا تعاني من أزمة حقيقية بعد توقف دعم اليونيسف لمحطات المياه والصرف الصحي، إذ كانت اليونيسف تزود المؤسسة بـ24 مليون لتر من الوقود اللازم لتشغيل المحطات التابعة لمؤسسة المياه، وكانت الكمية تتناقص عامًا بعد آخر.

ويقول: “للأسف، فإن ما تعانيه مؤسسة المياه من مشكلات وأزمات يُستغل سلبًا من قبل مالكي وايتات المياه”.

لكن صالح المطري، صاحب أحد وايتات المياه في حي الحصبة شمال العاصمة صنعاء، ينفي ما طرحه معوضة، إذ يلفت في حديثه لـ”المشاهد” إلى أن مالكي الوايتات يعانون من ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وأحيانًا انعدامها خلال بعض الأوقات، وهو الأمر الذي يدفع غالبية المستفيدين من خدمات المياه التجارية إلى العزوف عن شراء الوايتات”.

ويقول المطري: “كل شيء ارتفع سعره، حتى المياه التي نشتريها نحن أصحاب الوايتات من مالكي آبار المياه الخاصة التجارية. اليوم نشتري المياه ضعف ما كانت عليه في السابق، والحوثيون يريدوننا أن نبيع المياه بأسعار أقل من قيمتها المشتراة، وهذا يعني أنهم يريدوننا أن نخسر، ونحن لم نعد نقتنع إلا بما نسد به رمق عيشنا، لحين وجود دولة”.

مقالات مشابهة