المشاهد نت

سبعة أعوام من العزلة.. الأحبة لا يلتقون في العيد

تعز – وفاء غالب:

“هذا هو العام السابع الذي أقضي عيد الفطر فيه وأنا بعيد عن أهلي، لعدم قدرتي على زيارتهم، لخوفي من تعرضي للاعتقال في إحدى نقاط جماعة الحوثي”، يقول عبدالله الشرعبي بحسرة وهو يتذكر أيامه التي كان يقضيها بجوار أحبته، والتي كانت تُدخل على قلبه الكثير من السعادة، ويضيف لـ”المشاهد”: “كانت أيام عيدي الأضحى والفطر، هي فرصتي لأخذ إجازة بين أهلي في قريتنا بشرعب، أما اليوم فأنا لم أعرف السعادة منذ أن بدأت الحرب عام 2015، وأصبحت بعيدًا عنهم، يموتون دون أن أراهم، ولا أحتفل معهم بمناسباتهم ولا الأعياد”.
ويعيش المدنيون في تعز في ما يشبه العزلة عن بعضهم منذ مارس 2015، بعد اندلاع الحرب في المحافظة، وفرض حصار كان كليًا إلى تم العام الذي يليه كسره جزئيًا، ومنذ ذلك الحين استمرت معاناتهم حتى اليوم.
أدى حصار جماعة الحوثي لتعز، لتضييق الخناق على المدنيين، فلا يستطيع سكان الأرياف وأطراف المحافظة زيارة أقاربهم وسط المدينة، بسبب المخاوف الكثيرة والمخاطر التي يمكن أن يواجهونها، بخاصة في نقاط جماعة الحوثي، فضلًا عن ارتفاع أجور النقل يومًا بعد آخر، والطرق الفرعية الوعرة التي يضطرون للمرور بها، برغم أن خطر الموت فيها يهدد حياتهم.
وبحسب الشرعبي، فقد تعرض بعض من يعرفهم إلى الاعتقال في النقاط أثناء تفتيشهم والاطلاع على هوياتهم، وبعضهم لم يخرجوا من المعتقلات حتى اليوم، وقليل منهم خرجوا، ولكن بعد معاناة لأشهر، تم ابتزازهم ماديًا خلالها بمبالغ كبيرة، ولذلك فهو يخشى أن يلاقي المصير ذاته، ويتسبب بمعاناة أسرته، فأبناؤه لا يتجاوز عمر أكبرهم 13 عامًا.

فراق الأحبة

معاناة الشرعبي لا تختلف كثيرًا عما يواجهه عبدالله علي، الذي أدى حصار تعز إلى انقطاعه عن عمله الذي كان في المدينة كبائع في أحد المحلات التجارية؛ فما إن وجد نفسه مضطرًا لإنفاق مبالغ كبيرة كل أسبوع ليلتقي بزوجته وأبنائه في إحدى قرى المخلاف، قرر الاستقرار معهم.
يشرح علي لـ”المشاهد” ما حدث معه قائلًا: “ليس من السهل عليَّ أن أوفر المال الكافي لأنفقه في المواصلات، بخاصة مع ارتفاعها التدريجي، ووصولها آنذاك ثمانية آلاف ريال (8 دولارات إذا كان سعر صرف الدولار الواحد 1000 ريال)، وهذا فوق طاقتي وأنا مجرد عامل”.
الوضع الجديد الذي فُرض على كل المدنيين، من بينهم علي، دفعه للتنقل في أعمال مختلفة وبدخل بسيط، والبقاء إلى جانب أسرته، لكنه في المقابل حُرم من زيارة إخوته الذين يسكنون في مدينة تعز.
“إن أردت زيارة إخوتي في العيد، سأحتاج أجرة 6 أشخاص، وذلك سيكلفني ذهابًا وإيابًا 180 ألف ريال، إضافة إلى ما سنحتاجه من متطلبات أخرى كالطعام وغيره”، يضيف علي.
ويدفع الراكب القادم من تعز إلى الحوبان 10 آلاف ريال، ومن القرى إلى المدينة يختلف حسب المسافة، فمن المخلاف إلى المدينة وصل السعر إلى 15 ألف ريال.

إقرأ أيضاً  التغلب على النزوح من خلال حياكة المعاوز

7 أعوام من العزلة

فرَّق حصار تعز بين أفنان مهيوب التي تعيش في الحوبان، وابنتيها اللتين تعيشان في مدينة تعز، فأصبح العيد بالنسبة لها والمناسبات الأخرى، حملًا ثقيلًا عليها، يجعلها تبكي حين تسمع صوتهما بالهاتف، وتعجز عن احتضانهما مثلما كانت تفعل من قبل، حين كنّ يجتمعن في منزلها بالأعياد.
تقول أفنان لـ”المشاهد”: “أصبحت كبيرة بالسن، ولا أحتمل الطريق الصعبة التي يفترض أن نمر بها لأصل إلى بناتي وأحفادي، وبالكاد أقوم بزيارتهن إذا ما أنجبت إحداهن فقط”.
وتضيف: “أنا مريضة بالسكري والقلب، ولا أحتمل مزيدًا من الضغوط، وبُعد بناتي عني يرهقني نفسيًا، لكن لا أمل بالحل، إلا إذا تم إنهاء الحصار”، متمنية أن يحدث هذا في أقرب وقت.
وتشير أفنان إلى توقف إخوتها في السعودية عن زيارتها وباقي الأسرة، بسبب صعوبات السفر الحاصلة، فهي لم ترهم إلا بالهاتف منذ 2014، وحالها مثل حال آلاف اليمنيين الذين انقطعوا عن زيارة بعضهم منذ سنوات.

فرص متعثرة

ويترقب سكان تعز، ومعهم مختلف المدنيين في باقي المحافظات، الاتفاقات المختلفة التي غالبًا ما تتعثر ولا ترى النور، ومنها اتفاق الهدنة الأخير، الذي كان من ضمن بنوده فتح طرق في تعز، وكذا إعادة تشغيل مطار صنعاء.
وبرغم التفاؤل الكبير الذي يعيشونه من حين لآخر، تكون المحصلة في النهاية عنوانها الفشل، ومعه يعيش المدنيون خيبات أمل كثيرة، تضاف إلى مآسيهم العديدة التي سببتها الحرب.
وتعد هيجة العبد، هي المنفذ الوحيد لسكان تعز، تم إصلاحه خلال السنوات الماضية، لكن عدم صيانته أدت إلى كثرة الحوادث فيه، بخاصة أنه غير مخصص لنقل البضائع، فأصبح السفر من خلاله همًا بالنسبة للمدنيين يضطرون العبور فيه، ومواجهة مختلف المخاطر فيه، بخاصة في موسم الأمطار الذي يكونون فيه طُعمًا سهلًا للسيول.
وحُرم أغلب السكان من مشاركة بعضهم الأفراح والمناسبات المختلفة كالأعياد، مثلما كان الأمر قبل الحرب، وأصبحت تمر السنوات دون أن يروا بعضًا حتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مثلما يفعل البعض ليخففوا من معاناتهم.

مقالات مشابهة