المشاهد نت

ريفيات يمنيات في هرم المجتمع المدني

إقبال القاسمي، ناشطة مجتمعية، لحج جنوب اليمن

القاهرة – آية خالد 

رغم النقلة النوعية التي أحدثتها كثير من النساء في مجتمعاتهن، فيما يخص المرأة وعملها وإدماجها في سوق العمل دون قيود مجتمعية تحيل بينها وبين الفرص المتاحة أمامها، واقبل كثير من الأهالي لهذه النقلة، والسماح لنسائهم بالعمل في الإطار المجتمعي، شكل هذا تحسن كبير في مستوى دخل الأسر  عامة والريفية خاصة، هذا وتشكل النساء في اليمن نسبة 72.1 ضمن السكان غير نشيطين إقتصاديًا، بحسب دراسات لمنظمة المرأة العربية.

جاءت منظمات المجتمع المدني ولعبت دور كبير في زيادة نسبة النساء العاملات لاسيما خلال الحرب؛ حيث توسعت المنظمات بمشاريعها للأرياف، و استقطبت من أبناء الريف للعمل في المشاريع، حيث تمثل عدد النساء العاملات في القطاعات الخاصة ومنظمات المجتمع المدني قرابة 28.3  حسب دراسة سابقة لمنظمة المرأة العربية.

“أشعر بارتياح عندما أُقدم شيء لأبناء قريتي، وهذا ما يخلق بي رغبة لتقديم المزيد” هكذا افتتحت إقبال منصور سالم القاسمي حديثها معنا، إقبال 33 سنة من مواليد محافظة لحج مديرية تبن قرية الحمراء، ولدت وترعرعت في هذه القرية، ورغم كل العقبات التي كانت تقف في طريقها إلا أنها لم تستسلم للواقع وأكملت دراستها.

التحقت لدراسة دبلوم برمجة حاسوب في كلية التربية صبر التابعة لجامعة عدن، وبعدها توظفت في ديوان المحافظة عام 2012م ، واليوم هي رئيس جمعية السلام لتنمية وتدريب نساء المجحفة.

نقطة تحول

في العام 2015م تزوجت إقبال وانتقلت مع زوجها إلى قرية المجحفة واستقرت هناك، وكان أول عمل مجتمعي لها في القرية هو إختيارها للتدريب مع منظمة البحث عن أرضية مشتركة من قبل السلطة المحلية.

ووجدت أن  بعض أهالي القرية يرفضون ذهاب نسائهم وبناتهم  إلى عاصمة المحافظة للتدريب والاستفادة  وعدم قدرتهم على دفع تكاليف المواصلات فبدأت تفكر كيف تساعد نساء هذه القرية، فوجدت أن الحل الأنسب هو فتح مركز تدريب لهن داخل القرية.

وتوضح” بدأت أولًا بإخبار  الجيران عن  فتح مركز للتدريب لتعليم النساء جميع الأعمال اليدوية والحرف، و عند ذهابي وايابي للعمل كنت أخبر النساء في السيارة التي تنقلنا، وكل واحدة تخبر الأخرى”

وتضيف إقبال” بعدها عملت إعلان علىى جروب الواتس أب انتشر الخبر أكثر وتفاجأت باقبال كثير  من النساء،  وبعد الانتهاء من فترة التسجيل تم افتتاح الدورة في منزل واحدة من المتدربات وفي بيتي أيضًا”.

وتشير إلى أنه” طُلب من المتدربات دفع ألف ريال يمني كرسوم تسجيل؛ لشراء مستلزمات التدريب وإعطاء مبلغ للمدربة التي تقوم  بتدريبهن  بالإضافة إلى مساهمتي ودعمي ماديًا للبرنامج  التدريبي وبدأنا التدريب واستفادت النساء وإن شاء الله مستمرين في التدريب”.

“إقبال” الخير

ريفيات يمنيات في هرم المجتمع المدني
استطاعت إقبال القاسمي تدريب النساء في قريتها وتأسيس جمعية محلية لتدريب الفتيات-لحج، جنوب اليمن

ترى إقبال بأن النجاح والسعادة الحقيقية هو  لمس ثمرة هذا الجهد والتعب في المتدربات، وفرحتهن بإمتلاكهن حِرفة تعينهن على الحياة، وتكسبهن إستقلالية مادية، وتذكر” النساء حتى اليوم يشكروني لأنني عملت لهم شيء خاص وجدنّ أنفسهن فيه، ويساندني بأي عمل أفكر القيام به كجزء من رد الجميل لي حسب قولهم، و يلقبني بإقبال الخير، لاسيما أنني لستُ من أبناء القرية”.

صوفيا فضل إحدى المتدربات المستفيدات من تدريب المركز  وتوضح تأثير التدريب عليها قائلة” التدريب أكسبني ثقة كبيرة في نفسي، ومكنس عمليًا، حيث تدربنا على يد مدربات ماهرات ومنحنا كل المهارات اللازمة للخروج لسوق العمل، والحمد لله أتقن المهارة بسرعة، سواء كانت خياطة أو كوافير أو طبخ، وغيرها”.

وتضيف” نحن فتيات القرية جاءت إقبال لنا كمنبع للنور بعد أن كنا لا نستطيع الإلتحاق بأي تدريب خارج قرية؛ بسبب رفض أهالينا، وتكلفة التنقل ماديًا ولهذا نُسمي إقبال بإقبال الخير”.

إقرأ أيضاً  التغلب على النزوح من خلال حياكة المعاوز

الرجل سند للمرأة

استطاعت إقبال بمساندة  ودعم  زوجها لها ومتدرباتها تحقيق ذاتها والتوسع بعملها، وإثبات ذاتها في المجتمع الريفي الذي تنتمي إليه وتقول: ” الحمد لله نجحت في قريتي وكان التقبل جيد جيدًا، وأصبحت قدوة لكثير من الفتيات كوني امرأة عاملة ولدي مركز في القرية لتدريب النساء ساعدني كثير “.

وتُضيف” حمد لله بفترة بسيطة أثبت للجميع لهم حبي للعمل الإنساني والخيري والنساء واقفين معي في أي عمل أقوم به،  وإن شاء الله ربي يوفقني وأعمل لهن شيء  يستفدن منه ويكون كدخل شهري لهن داخل القرية “.

يجد  ماجد  وهو زوج إقبال وداعمها الأول في كل ما تقوم به أن حب زوجته للعمل التطوعي وروحها الجميلة في حب مساعدة الناس وإحداث تغيير في القرية ما جعله يدعمها ويقف بجانبها دومًا، بالإضافة إلى مقدرتها في التوفيق ما بين عملها وبيتها ورعاية إبنتها.

ويضيف” أشعر بالفخر الكبير عندما يتحدث الناس عن التغيير الذي أحدثته زوجتي وكيف يتحدثون عنها كقصة نجاح وإلهام لكثير من الفتيات”.

إستثمار المهارات الريفية

ترى الناشطة المجتمعية سالي الحكمي أن الاستثمار  في المهارات وإكساب البُسطاء حِرفة تنجيهم من الفقر يُعد الإستثمار الحقيقي والناجح في كل المجتمعات، وأن نتائجه دومًا تكون سريعة وملموسه على الرغم من أن صعوباته ومعوقاته كثيرة جدًا إلا أنه مُثمر.

وتقول الحكمي” إن مشروع إقبال في تدريب نساء الريف وتعليمهن مهن هذا يشكل نهضة للريف وغدًا سنجد نسخ كثيرة من إقبال، وأن النساء الريفيات لديهن طموح عالي لتحقيق نجاحات كثيرة وبحاجة فقط للتشجيع ومد يد العون”.

بدائل ممكنة

تؤسس إقبال اللبنات الأساسية للجمعية، وبدأت تبني المقر الخاص بالجمعية،بعد أن ظلت كثيرًا تبحث عن مقر ولم تجد سوى مباني قديمة غير صالحة لتكون مقر جمعية، فأتخذت من حوش منزلهم مقر للجمعية وبدأت البناء عليه وبمساندة ودعم زوجها لها.

توضح إقبال أن فكرة الجمعية كانت مخرج من مخرجات دورة تدريبية حضرتها “حضرت دورة تدريبية عن النزاعات والخلافات المجتمعية التي كانت لمدة أسبوع، وبعدها قررت عمل مركز لنساء القرية لتعليم النساء الأعمال اليدوية؛ لتحسين مستواهن المعيشي الصعب، والمساهمة في ادماجهن في المجتمع والمشاركة والاعتماد على ذواتهن وكان الإقبال كبير جدًا”.

كأي بداية في المجتمع اليمني عامة والريفي خاصة تجد الأعمال المجتمعية صعوبات ومعوقات أبرزها  عدم توفر الدعم المادي، الذي يعين على تشغيل المركز بشكل مستمر، فنضطر لتشغيله بجهود ذاتية حسب قولها.

ومن ناحية أخرى  كثير من الفتيات الريفيات حتى اليوم يفوتهن قطار التعليم؛ بسبب عدم وجود مدارس قريبة من قُراهن، فلا يسمح لهن أهاليهن بالذهاب للمدينة أو لمكان بعيد لتلقيه؛ وذلك لأسباب كثيرة منها الأوضاع غير المستقرة، وتكلفة المواصلات التي تشكل عبء عليهم، فقرروا بقاءها في المنزل، وبحسب دراسات سابقة  لمنظمة المرأة العربية فإن نسبة الأمية بين النساء اليمنيات تصل إلى 39.9 في الحضر، و78.2 في الريف.

لأجلهن

تطمح إقبال إلى  استكمال عملية بناء الجمعية  في أسرع وقت لمقر الجمعية وفتح مشغل للنساء في نفس الوقت؛ كون النساء من ذوي الدخل المحدود والعاطلات عن العمل  والأميات حيث سوف يتم تدريبهم،  وتطويرهم وتمكينهم والتسويق والترويج لمنتجاتها  للمحافظة والمحافظات الأخرى وإثبات وجودهن والاعتماد على أنفسهن في المجتمع.

تم إنتاج هذه المادة  بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.

مقالات مشابهة